فإن
اشترى العبد وباع ومولاه الذي لم يأذن له يراه فلم ينهه فهذا إذن منه له في التجارة ; لأن السكوت عن النهي بمنزلة التصريح بالإذن .
فإن قيل هذا إذا كان متمكنا من نهيه عن التصرف وهو غير متمكن من النهي ههنا لوجود الإذن من الآخر فلا يجعل سكوته دليل الرضا بتصرفه .
قلنا هو متمكن من إظهار الكراهة وإزالة احتمال معنى الرضا من سكوته فإذا ترك ذلك مع الإمكان أقام ذلك منه مقام الرضا بتصرفه حتى لو جاء به الآخر إلى أهل سوقه فقال : إني لست آذنا له في التجارة فإن بايعتموه بشيء فذلك في نصيب صاحبي فباع بعد ذلك واشترى ،
والشريك الذي لم يأذن له ينظر إليه ، فهذا لا يكون إذنا منه في نصيبه استحسانا ; لأنه أتى بما في وسعه من إظهار الكراهة لتصرفه وبقي الضرر ، والغرور ، وفي القياس هذا إذن أيضا ; لأنه مالك لنصيبه بعد هذه المقالة فيقاس بما لو كان مالكا لجميعه ولو
أتى بعبده إلى السوق ، وقال : لست آذن له في التجارة فلا تبايعوه ، ثم رآه بعد ذلك يتصرف كان إذنا منه له في التجارة فكذلك ههنا ، والفرق بين الفصلين .
[ ص: 44 ] على طريقة الاستحسان أن العبد إذا كان كله له فهو قادر على منعه من التصرف حين رآه يتصرف فيجعل سكوته عن المنع دليل الرضا ولا ينعدم ذلك بما كان منه من إظهار الكراهة قبل هذا فقد يرضى المرء بتصرف عبده بعد ما كان يكرهه ، وفي هذا الفصل ليس في وسعه أن يمنعه من التصرف ، وإنما في وسعه إظهار الكراهة وقد أتى به فلا ينفسخ ذلك بسكوته عن النهي عند رؤيته يتصرف ولو كان الذي لم يأذن له بايعه بعد مقالته جعل هذا ناسخا لما كان قبله من إظهار الكراهة فإن مبايعته إياه كالتصريح بالرضا بتصرفه فهو وقوله أذنت لك في التجارة سواء .