( قال : رحمه الله ) وإذا
دفع الغرماء المأذون إلى القاضي وأرادوا بيعه في ديونهم فإن القاضي يتأنى في ذلك وينظر هل له مال حاضر أو غائب يرجو وصوله ; لأن البداءة في قضاء دين العبد
[ ص: 130 ] من كسبه وهو الحاصل بتجارته كما أن وجوب الدين بتجارته ، ومقصود المولى استدامة الملك في رقبته فلا يجوز تفويت هذا المقصود عليه بدون الحاجة والحاجة ههنا إلى قضاء دين الغرماء والمال الحاضر أو الغائب الذي يرجى وصوله عاجلا ، ولو انتظر القاضي وصوله لم يكن فيه كثير ضرر على الغرماء ; فلهذا يتأنى القاضي كما يتأنى في
القضاء بقيمة المغصوب بعدما أبق من يد الغاصب فإن لم يكن شيء من ذلك باعه ; لأن المولى ضمن للغرماء قضاء الدين من مالية رقبته عند تعذر إيفائه من محل آخر وقد تعذر ذلك إذا لم يكن له كسب أو كان له دين مؤجل أو غائب لا يرجى وصوله ; لأن في انتظار ذلك تأخر حق الغرماء وضرر التأخير كضرر الإبطال من وجه ، ثم لا يبيعه إلا بمحضر من المولى ; لأن في بيعه قضاء على المولى باستحقاق مالية الرقبة وإزالة ملكه والعبد ليس بخصم عنه في ذلك ولأن للمولى حق استخلاص - الرقبة لنفسه بقضاء الدين من موضع آخر فليس للقاضي أن يبطل عليه هذا الحق ببيعه بغير محضر منه فإذا باعه ضرب كل غريم في الثمن بجميع دينه سواء كان أكثر من الثمن أو أقل وإذا قسم الثمن بينهم على ذلك فلا سبيل لهم على العبد حتى يعتق ; لأنه لم يبق لقضاء حقهم محلا في حال رقه وكسبه بعد البيع ملك المشتري ولم يرض بصرفه إلى ديونه .
وكذلك إن
اشتراه مولاه الذي باعه القاضي عليه بعد ذلك لم يتبع بشيء بما بقي من الدين ; لأنه تجدد له فيه ملك بتجدد سببه فهو في ذلك كغيره فإذا
أذن له هذا المولى بعد ما اشتراه فلحقه دين فبيع لغرمائه لم يشارك الأولون بما بقي من دينهم الآخرين ; لأن الأولين قد استوفوا مالية الرقبة مرة فلا حق لهم في مالية الرقبة بعد ذلك فهو في هذا الملك المتجدد كعبد آخر فالمولى بالإذن إنما رضي بتعلق حق الآخرين بملكه ; فلهذا يباع لهم ولا سبيل للأولين على الثمن حتى يعتق فإذا عتق بيع بجميع ديونه ; لأن الديون كلها ثابتة في ذمته والذمة بالعتق تزداد قوة فيؤمر بقضائها من كسب هو خالص حقه .