قال : والحكم في
بيع المولى شيئا من رقيق المأذون أو هبته وعليه دين حال أو مؤجل على ما وصفنا في المأذون بنفسه ; لأن مطالبة صاحب الدين بإيفاء الدين من الكسب والرقبة فكما أن في الرقبة إذا انعدمت المطالبة للتأجيل في الدين جعل في حق تصرف المولى كأنه لا دين عليه فكذلك في تصرفه في كسبه بالبيع والهبة في حكم النفوذ وحكم تضمين المولى عند حل الدين وفي الأصل إشارة إلى مخالف له في هذا الجواب واستشهد عليه بشواهد قال : أرأيت لو
أعتق رقيق العبد قبل أن يحل دين العبد لم يجز عتقه في قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رحمه الله ينبغي لمن زعم أن البيع لا يجوز أن لا يجوز عتقه في الرقيق بمنزلة ما لو كان الدين حالا وكان محيطا برقبته وما في يده ( أرأيت ) لو أن
المولى لو حجر عليه والدين عليه مؤجل لم يكن له أن يبيع الرقيق فإذا لم يكن له أن يبيعهم فمن ذا الذي ينفق عليهم فبيع المولى في هذا كله جائز وهو ضامن للقيمة إذا حل الدين وقيل المخالف
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف رحمه الله فقد روي عنه أنه لا يجوز بيع المولى كسب العبد وإن كان الدين مؤجلا عليه ; لأن بالتأجيل لا ينعدم وجوب أصل الدين وحاجة المأذون إلى قضائه وحاجته في كسبه مقدمة على حق المولى
[ ص: 147 ] فكان المولى ممنوعا من إثبات يده عليه ولا يجوز بيعه ولا هبته فيه ويجوز العتق ; لأن تقرر العتق لا يستدعي اليد ، فأما إذا كان الدين حالا على العبد فإن لم يكن محيطا بكسبه ورقبته لا يمنع نفوذ عتق المولى في رقبته ; لأن المولى يخلف عبده في كسبه خلافة الوارث المورث والدين على المورث إذا لم يكن محيطا بالتركة لا يمنع ملك الوارث في التركة ونفوذ عتقه في قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رحمه الله الأخير وفي قوله الأول يمنع ذلك وقد بينا هذا في أول الزيادات فكذلك الدين على العبد .
فأما إذا
كان الدين محيطا بكسبه ورقبته فعلى قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رحمه الله المولى لا يملك شيئا من كسبه ، ولو أعتقه لا ينفذ عتقه في كسبه وعند
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد رحمهما الله المولى يملك كسبه حتى ينفذ عتقه في رقبته كما يملك عتقه ; لأن الكسب بمنزلة الرقبة من حيث إن حق الغريم فيه مقدم على حق المولى وإنه لا يسلم للمولى إلا بشرط الفراغ من دين العبد فكما أن قيام الدين عليه لا ينافي ملك المولى في رقبته فكذلك لا ينافي ملكه في كسبه وهذا ; لأن الكسب يملك بملك الرقبة وله ملك مطلق في رقبته فيملك كسبه وهذا بخلاف المكاتب فرقبته مملوكة للمولى من وجه دون وجه ; لأنه بعقد الكتابة صار بمنزلة الحر يدا وقد ملك بدل الرقبة وهو دين الكتابة من وجه فكذلك يمنع بقاء ملكه في رقبته من هذا الوجه ; فلهذا لا يكون مالكا كسبه ، فأما رقبة العبد بعد لحوق الدين إياه فمملوكة للمولى من كل وجه .
( ألا ترى ) أنه يملك استخلاصه لنفسه بقضاء الدين من موضع آخر ولا يملك إبطال حق المكاتب بفسخ الكتابة وهذا بخلاف الدين في التركة ، وذلك ; لأن الوارث إنما يملك الفاضل عن حاجة الميت .
( ألا ترى ) أن المشغول بالجهاز والكفن لا يكون مملوكا للوارث فكذلك المشغول بالدين وههنا ملك المولى كسب العبد لا يتعلق بفراغه من حاجة العبد وإن كانت سلامته له تتعلق بذلك .
( ألا ترى ) أن حاجته إلى النفقة والكسوة لا يمنع ملك المولى في كسبه فكذلك حاجته إلى الدين ولأن الشرع جعل الميراث بعد الدين فحال قيام الدين كحال حياة المورث في أنه لا يكون أو أن الميراث والحكم لا يسبق أوانه ، فأما خلافة المولى عبده في ملك الكسب واعتبار الرق ينافي الأهلية لملك المال والكسب موجب الملك في المكسوب فإذا لم يكن المكتسب من أهله وقع الملك لمن يخلفه وهذا المعنى قائم حال قيام الدين عليه
nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة رحمه الله يقول المولى يخلف عبده في ملك الكسب خلاف الوارث المورث على معنى أنه يملكه بإكسابه وسلامته له متعلقة بفراغه عن حاجة العبد فكما أن
[ ص: 148 ] الدين المحيط بالتركة يمنع ملك الوارث في التركة فكذلك الدين المحيط بالكسب والرقبة يمنع ملك المولى وهذا ; لأن الخلافة في الموضعين جميعا باعتبار انعدام الأهلية للملك في المكتسب فالميت ليس بأهل للمالكية كالرقيق ; لأن المالكية عبارة عن القدرة والاستيلاء والموت ينافي ذلك كالرق بل أظهر فالرق ينافي مالكية المال دون النكاح والموت ينافيهما جميعا ، ثم لقيام حاجة الميت إلى قضاء ديونه يجعل كالمالك حكما حتى لا يملك الوارث كسبه فكذلك العبد لقيام حاجته يجعل كالمالك حكما وهذه الحاجة ليست كالحاجة إلى الطعام والكسوة فإن الرقيق لا يحتاج إلى ذلك ; لأنه يستوجب النفقة على المولى إذا لم يكن له كسب وليس الكسب نظير الرقبة ; لأن المولى ليس يخلفه في ملك الرقبة بل كان مالكا للرقبة لا بالاكتساب من العبد فبقي ملكه في الرقبة بعد لحوق الدين وهو نظير المكاتب فالمولى مالك رقبته حتى ينفذ منه العتق في - رقبته وتؤدى به كفارته وبه يتبين أن ملكه في الرقبة مطلق ومع ذلك لقيام حاجته لا يملك المولى كسبه فكذلك في العبد المديون لا يملك كسبه وإن كان يملك رقبته ولا عتق فيما لا يملك ابن
آدم .