( قال رحمه الله ) : وإذا
أذن المولى لعبده في التجارة ثم مرض المولى فباع العبد بعض [ ص: 54 ] ما كان في يده من تجارته ، واشترى شيئا فحابى في ذلك ثم مات المولى ، ولا مال له غير العبد ، وما في يده فجميع ما فعل من ذلك مما يتغابن الناس فيه أو ما لا يتغابن الناس فيه فهو جائز في قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة من ثلث مال المولى ; لأن العبد بانفكاك الحجر عنه بالإذن صار مالكا للمحاباة مطلقا في قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة حتى لو باشره في صحة المولى كان ذلك صحيحا منه والمولى حين استدام الإذن بعد مرضه جعل تصرف العبد بإذنه كتصرفه بنفسه ، ولو باع المولى بنفسه وحابى يعتبر من ثلث ماله المحاباة اليسيرة والفاحشة في ذلك سواء ، فكذلك إذا باشره العبد ، وفي قول
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد محاباته بما يتغابن الناس فيه كذلك فأما محاباته بما لا يتغابن الناس فيه فباطلة ، وإن كان يخرج من ثلث المولى ; لأن العبد عندهما لا يملك هذه المحاباة في الإذن في التجارة حتى لو باشره في صحة المولى كان باطلا ، وكذلك إن كان على العبد دين لا يحيط برقبته وبجميع ما في يده كان قولهم في إمضاء محاباة العبد بعد الدين من ثلث مال المولى على ما بينا ; لأن قيام الدين على العبد لا يغير حكم انفكاك الحجر عنه بالإذن .
وإن كان على المولى دين محيط برقبة العبد ، وبما في يده ، ولا مال له غيره لم يجز محاباة العبد بشيء ; لأن مباشرته كمباشرة المولى وقيل : للمشتري إن شئت فانقض البيع ، وإن شئت فأد المحاباة كلها ; لأنه لزمه زيادة في الثمن لم يرض هو بالتزامها فيتخير لذلك ، وإن لم يكن على المولى دين ، وكان على العبد دين يحيط برقبته وبجميع ما في يده فمحاباة العبد جائزة على غرمائه من ثلث مال المولى ; لأن حكم الإذن لم يتغير بلحوق الدين إياه .
والمحاباة ، وإن جازت على الغرماء فإنما هي من مال المولى ، ولو كان الذي حاباه العبد بعض ورثة المولى كانت المحاباة باطلة في جميع هذه الوجوه ; لأن مباشرة العبد كمباشرة المولى ، والمريض لا يملك المحاباة في شيء مع وارثه ، ولو أن
رجلا دفع إلى هذا العبد جارية يبيعها له في مرض المولى فباعها من وارث المولى وحاباه فيها جاز ذلك ; لأن هذه المحاباة ليست من مال المولى ، ولا شيء على ورثة المولى ، وهذا التصرف من العبد لم يكن نفوذه بإذن المولى بل هو ثابت عن الموكل ، وإنما ينفذ بوكالته ، وكأنه باشره بنفسه ، ولو باع العبد في مرض مولاه شيئا ، ولم يحاب فيه ، ولا دين على واحد منهما أو اشترى ، ولم يحاب فيه ثم أقر بقبض ما اشترى أو بقبض ثمن ما باع ثم مات المولى ، فإقراره جائز بمنزلة ما لو كان المولى هو الذي باشر هذا التصرف ، وأقر بقبض الثمن ، وكذلك إن كان على العبد دين كبير ، ولو كان على المولى دين كثير يحيط برقبته ، وما في يده لم يصدق على القبض إلا بالبينة ; لأن إقراره بالقبض في المعنى إقرار
[ ص: 55 ] بالدين .
فإنه يقول : وجوبه علي بالقبض مثل ما كان لي عليه ثم صار قصاصا ودين العبد يمنع صحة إقراره على نفسه بالدين في مرضه ، فكذلك يمنع صحة إقراره بالقبض ، وأما دين المولى في صحته فيمنع إقرار العبد على نفسه بالدين في مرضه ، فكذلك يمنع صحة إقراره بالقبض ، ويقال للمشتري : إن شئت فأد الثمن مرة أخرى ، وإن شئت فانقض البيع ; لأنه لزمه زيادة في الثمن لم يرض بالتزامهما .
وإقرار العبد في إثبات الخيار للمشتري زيادة في الثمن صحيح ، وإن لم يكن صحيحا في وصول الثمن إليه ; لتمكنه من إقالة العقد معه ، ولو كان الذي بايعه بعض ورثة المولى لم يجز إقرار العبد بالقبض منه كان عليه أو على المولى دين أو لم يكن كما لا يجوز إقراره له بالدين ، وكما لا يجوز إقرار المولى بالقبض منه في مرضه لو كان هو الذي عامله ، والله أعلم .