( قال رحمه الله ) : وإذا
مال حائط الرجل أو وهي فوقع على الطريق الأعظم فقتل إنسانا فلا
[ ص: 9 ] ضمان على صاحبه لأنه لم يوجد منه صنع هو تعد فإنه وضع البناء في ملكه فلا يكون متعديا في الوضع ولا صنع له في مثل الحائط ولكن هذا إذا كان بناء الحائط مستويا فإن كان بناه في الأصل مائلا إلى الطريق فهو ضامن لمن يسقط عليه لأنه متعد في شغل هواء الطريق ببنائه وهواء الطريق كأصل الطريق حق المارة فمن أحدث فيه شيئا كان متعديا ضامنا فأما إذا بناه مستويا فإنما شغل ببنائه هواء ملكه وذلك لا يكون تعديا منه فلو أشهد عليه في هذا الحائط المائل فلم يهدمه حتى سقط وأصاب إنسانا ففي القياس لا ضمان عليه أيضا وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي لأنه لم يوجد منه صنع هو تعد والإشهاد فعل غيره فلا يكون سببا لوجوب الضمان عليه .
لكن استحسن علماؤنا رحمهم الله إيجاب الضمان روي ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16097شريح nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي والشعبي وغيرهم من أئمة التابعين وهذا لأن هواء الطريق قد اشتغل بحائطه وحين قد أشهد عليه فقد طولب بالتفريغ والرد فإذا امتنع من ذلك بعد ما تمكن منه كان ضامنا بمنزلة ما لو هبت الريح بثوب ألقته في حجره فطالبه صاحبه بالرد عليه فلم يفعل حتى هلك بخلاف ما قبل الإشهاد ولأنه لم يطالب بالتفريغ فهو نظير الثوب إذا هلك في حجره قبل أن يطالبه صاحبه بالرد ثم لا معتبر بالإشهاد وإنما المعتبر التقدم إليه في هدم الحائط فالمطالبة تتحقق وينعدم به معنى العذر في حقه وهو الجهل بميل الحائط إلا أنه ذكر الإشهاد احتياطا حتى إذا جحد صاحب الحائط التقدم إليه في ذلك أمكن إثباته عليه بالبينة بمنزلة الشفيع فالمعتبر في حقه طلب الشفعة ولكن يؤمر بالإشهاد على ذلك احتياطا لهذا المعنى وهذا التقدم إليه يصح من كل واحد من الناس مسلما أو ذميا رجلا كان أو امرأة لأن الناس في المرور في الطريق شركاء والتقدم إليه صحيح عند السلطان وعند غير السلطان لأنه مطالبة بالتفريغ وغير مطالبة في الطريق ولكل أحد حق في الطريق فينفرد بالمطالبة بتفريغه وصورته أن يقول له : إن حائطك هذا مائل فاهدمه .
وذكر عن
الشعبي أنه كان يمشي ومعه رجل فقال الرجل : إن هذا الحائط لمائل وهو
لعامر ولا يعلم الرجل أنه
عامر فقال
عامر : ما أنت بالذي يفارقني حتى أنقضه فبعث إلى الفعلة فنقضه فعرفنا أن الإشهاد بهذا اللفظ يتم وبعد الإشهاد إن تلف بالحائط مال فالضمان في ماله وإن تلف به نفس فضمان ديته على عاقلته لأن هذا دون الخطأ ولا كفارة عليه فيه لانعدام مباشرة القتل منه ويستوي إن شهد عليه رجلان أو رجل وامرأتان في التقدم إليه لأن الثابت بهذا التقدم ما لا يندرئ بالشبهات وهو المال
[ ص: 10 ] وإذا
باع الحائط بعد ما أشهد عليه برئ من ضمانه لأنه إنما كان جانيا بترك الهدم مع تمكنه منه وبالبيع زال تمكنه من هدم الحائط فيخرج من أن يكون جانيا فيه بخلاف الجناح فهناك كان جانيا بأصل الوضع .
يوضحه أن ابتداء الإشهاد عليه لا يصح إذا لم يكن هو مالكا للحائط فكذلك لا يبقى حكم الإشهاد بعد - زوال ملكه بخلاف الجناح ولا ضمان على المشتري في الحائط لأنه لم يتقدم إليه في هدمه فحاله كحاله قبل أن يتقدم إليه فيه فإن شهد المشتري في الحائط فإنه لا يتقدم إليه في هدمه فحاله كحال البائع قبل أن يتقدم إليه فيه فإن
أشهد على المشتري بعد شرائه فهو ضامن لتركه تفريغ الطريق بعد ما طولب به مع تمكنه من ذلك ولو
كان الحائط رهنا فتقدم إلى المرتهن فيه لم يضمنه المرتهن ولا الراهن لأن المرتهن غير متمكن من هدمه فلا يصح التقدم فيه إليه ولم يتقدم إلى الراهن فيه وإن تقدم فيه إلى الراهن كان ضامنا لأنه متمكن من أن يقضي الدين ويسترد الحائط فهدمه فيصح التقدم إليه فيه وإن تقدم إلى الساكن الدار في بعض الحائط المائل فليس ذلك بشيء سواء كان ساكنا بأجر أو بغير أجر لأنه غير متمكن من النقض وإن تقدم إلى رب الدار فعليه الضمان لأنه متمكن من هدمه فإذا تقدم إلى أب الصبي أو الوصي في ذلك فلم ينقضه حتى سقط فأصاب شيئا فضمانه على الصبي لأن الأب والوصي يقومان مقامه ويملكان هدم الحائط فيصح التقدم إليهما فيه ويكون ذلك كالتقدم إلى الصبي بعد بلوغه ثم هما في ترك الهدم يعملان للصبي وينظران له فلهذا كان الضمان عليه دونهما .
وإذا
تقدم في الحائط إلى بعض الورثة فالقياس أن لا ضمان على أحد منهم لأن أحد الشركاء لا يتمكن من نقض الحائط كما لا يتمكن من بنائه ولم يوجد التقدم إلى الباقين فلا يصح هذا الإشهاد ولا يكون هو متعديا في تركه التفريغ بعد هذا ولكنا نستحسن فنضمن هذا الذي أشهد عليه بحصة نصيبه مما أصاب الحائط لأنه كان متمكنا من أن يطلب شركاءه ليجتمعوا على هدمه وهذا لأن الإشهاد على جماعته يتعذر عادة فلو لم يصح الإشهاد على بعضهم في نصيبه أدى إلى الضرر والضرر مدفوع والرجل والمرأة والمسلم والذمي والحر والمكاتب في هذا الإشهاد سواء لأنهم في التطرق في هذا الطريق سواء .