( قال رحمه الله ) : وإذا
احتفر الرجل بئرا في طريق المسلمين في غير فنائه فوقع فيها حر أو عبد فمات فضمان ذلك على عاقلة الحافر لحديث
nindex.php?page=showalam&ids=16097شريح فإن
nindex.php?page=showalam&ids=16700عمرو بن الحارث حفر بئرا عند درب
nindex.php?page=showalam&ids=111أسامة فوقعت فيها بغلة فضمنه
nindex.php?page=showalam&ids=16097شريح قيمتها وكان قضاؤه بمحضر من الصحابة ولم ينكر أحد منهم ذلك ولأن الحافر بمنزلة الدافع للواقع في مهواه فإنه بفعله أزال المسكة عن الأرض والآدمي لا يستمسك إلا بمسكة فإزالة ما به كان مستمسكا إيجاد شرط الوقوع .
والحكم يضاف إلى الشرط مجازا عند إضافته إلى السبب والسبب هاهنا ثقل الماشي في
[ ص: 15 ] نفسه ولا يمكن إضافة الحكم إليه إذ لا صنع لأحد من العباد فيه فيصير مضافا إلى الشرط ولأن الحافر سبب لوقوعه وهو متعد في هذا السبب لأنه أحدث في الطريق ما يتضرر به المارة ويخرج به ذلك الموضع من أن يكون ممرا لهم ثم الضمان على عاقلته لأنه دون المخطئ وفعل المخطئ اتصل بالمتلف وفعل الحافر اتصل بالأرض فما يجب على العاقلة من فعل المخطئ يجب على العاقلة هاهنا بطريق الأولى ولا كفارة عليه عندنا لما بينا أنه ليس بقاتل مباشرة وقد يكون الحافر مبنيا على وقوع الواقع في البئر فلا تلزمه الكفارة في ذلك وفي ظاهر الرواية أوجب الضمان على الحافر مطلقا وقال في النوادر هذا إذا مات من وقوعه في البئر فإن سلم من ذلك فمات جوعا أو غما فلا شيء على الحافر في قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف إن مات جوعا فكذلك وإن مات غما فالحافر ضامن له وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد : هو ضامن في الوجوه كلها
nindex.php?page=showalam&ids=11990فأبو حنيفة يقول : إنما يصير هلاكه مضافا إلى الحافر إذا هلك بسبب الوقوع فيجعل الحافر كالدافع له فأما إذا طرأ عليه سبب آخر لهلاكه كالجوع الذي هاج من طبعه أو الغم الذي أثر في قلبه فإنما يكون هلاكه مضافا إلى هذا السبب ولا صنع للحافر فيه
nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبو يوسف لما سبب للغم سوى الوقوع في البئر فأما الجوع فله سبب آخر وهو بعد الطعام عنه واحتراق معدته حتى لم يبق فيها شيء من مواد الطعام
nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد يقول : كل ذلك إنما حدث بسبب الوقوع في البئر لولاه لكان الطعام قريبا منه والحافر متعد في ذلك السبب والحكم تارة يضاف إلى السبب بغير واسطة وتارة بواسطة فكذلك يضاف إلى الشرط تارة بواسطة وتارة بغير واسطة فإن كان استأجر عليها أجراء فحفروها له فذلك على المستأجر ولا شيء على الآجر إن لم يعلموا أنها في غير فنائه لأن
nindex.php?page=showalam&ids=16700عمرو بن الحارث كان من جملة الرؤساء ومعلوم أنه ما باشر الحفر بنفسه وإنما استأجر الأجراء لذلك ثم ضمنه
nindex.php?page=showalam&ids=16097شريح وهذا لأن الأجراء يعملون له ولهذا يستوجبون عليه الأجر وقد صاروا مغرورين من جهته حين لم يعلمهم أن ذلك الموضع ليس من فنائه وإنما حفروا اعتمادا على أمره وعلى أن ذلك من فنائه فلدفع ضرر الغرور انتقل فعلهم إلى الآمر فيصير كأنه حفر بنفسه وإن كانوا يعلمون أنها من غير فنائه فالضمان عليهم لأنهم جناة في الحفر وأمره إياهم بالحفر غير معتبر شرعا لأنه غير مالك للحفر بنفسه في هذا الموضع وإنما يعتبر أمره لإثبات صفة الحل به ولدفع الغرور عن الحافر به وقد انعدما جميعا في هذا الموضع فسقط اعتبار أمره فكان الضمان على الذين باشروا الحفر .
وإن كان في فنائه فهو على الآمر دون الأجراء علموا أو لم
[ ص: 16 ] يعلموا لأن أمره في فنائه معتبر فإن عند
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد له أن يحفر في فنائه إذا كان لا يضر بالمارة وليس لأحد أن يمنعه من ذلك وعند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة يحل له ذلك فيما بينه وبين ربه ما لم يمنعه مانع وهذا لأن الفناء اسم لموضع اختص صاحب الملك بالانتفاع به من حيث كسر الحطب وإيقاف الدواب وإلقاء الكناسة فيه فكان أمره معتبرا في الحل وانتقل فعل الآمر إليه بهذا الأمر فيصير كأنه فعل ذلك بنفسه وإن
سقطت فيه دابة فعطبت فضمانه في ماله لأن العاقلة لا تعقل المال وإنما تعقل العاقلة النفوس من الأحرار والمماليك بدليل حالة الخطأ وإذا وقع فيها إنسان متعمدا للسقوط فيها فلا ضمان على الحافر لأنه أوقع نفسه فيها ولو أوقعه غيره لم يكن على الحافر شيء وهذا لأن وضعه القدم على ذلك الموضع مع علمه تعد منه ومباشرة فعل إلقاء النفس في المهلكة وإنما يضاف الحكم إلى الشرط إذا تعذر إضافته إلى السبب فأما مع إمكان الإضافة إلى السبب فلا يضاف إلى الشرط