قال : وإذا
جنت الأمة جناية ثم ولدت ولدا أو اكتسبت كسبا فإن مولاها يدفعها بالجناية ولا يدفع ولدها ولا كسبها لأن استحقاق نفسها بالجناية الخطأ كاستحقاق نفسها بالعمد قصاصا وذلك لا يسري إلى الكسب والولد وهذا لأن حق ولي الجناية غير متأكد في عينها .
( ألا ترى ) أن المولى مخير بين أن يدفعها أو يفديها بالأرش وإنما يسري إلى الولد ما يكون متأكدا في الأصل حين انفصل الولد عنها وأما الكسب فإنما يملك بملك الأصل وعند الاكتساب كان ملك الأصل للمولى دون المجني عليه فإن جنى عليها فأخذ المولى لذلك أرشا فإنه يدفع الأرش معها لأن الأرش عوض عن الجزء الفائت منها بالجناية وحق ولي الجناية كان ثابتا فيها بجميع أجزائها فيثبت في بدل جزء منها أيضا والجزء معتبر بالكل ولو قتلت وأخذ المولى قيمتها كان عليه دفع تلك القيمة إلى ولي الجناية .
فكذلك إذا أخذ أرش جزء منها بخلاف الولد فإنه حر وهو زيادة حادثة بعد الجناية وحق الولي إنما يثبت في الأجزاء الموجودة عند الجناية وإن كان جنى عليها قبل جنايتها لم يدفع المولى ذلك الأرش معها لأن الجزء الفائت بتلك الجناية
[ ص: 38 ] لم يكن موجودا عند جنايتها فلا يثبت حق ولي الجناية فيه ولا في بدله بخلاف الفائت بعد جنايتها وإن لم يعلم أن الجناية عليها كان قبل جنايتها أو بعده فالقول فيه قول المولى لأن الأرش المقبوض في يد المولى فأولياء الجناية يدعون استحقاق ذلك على المولى وهو ينكر ولأنهم يستحقونها بالجناية على المولى فالقول قول المولى في بيان صفتها حين ثبت الاستحقاق لهم وإن كان وجب الأرش بعد جنايتها فأمسكها المولى وفداها فله أن يستعين بذلك الأرش في الفداء لأنه ملكه كسائر أمواله وإن لم يختر الفداء حتى استهلك أو وهبه الجاني عليها لم يكن مختارا وله أن يدفعها لأن الأرش منفصل عنها فتصرفه في الأرش لا يكون تصرفا فيها ولا يتعذر دفعها فكان له أن يدفعها بمنزلة ما لو حدثت الجناية من أمتين فاستهلك أحدهما كان له أن يدفع الأخرى بجنايتها ثم عليه أن يغرم مثل ما استهلك فيدفعه معها لأن حق ولي الجناية ثبت في ذلك الأرش وقد أتلفه المولى بتصرفه .
وهذا بخلاف ما إذا أتلف المولى جزءا منها بجنايته لأن هناك المولى تصرف فيه بالجناية والجزء الذي أتلفه بجنايته كان متصلا بها ولهذا صار المولى به مختارا وإن كان الجاني عليها عبدا فدفعه المولى كان عليه أن يدفعهما جميعا أو يفديهما بالدية لأن العبد المدفوع قائم مقام الجزء الفائت منها فإن أعتق العبد المدفوع إليه فهذا اختيار منه للأمة وعليه الدية وكذلك إن أعتق الأمة فإنه لا يستطيع أن يدفع واحدا منهما دون صاحبه لأن العبد قائم مقام الجزء الفائت وحكم الدفع فيها لا يتجزأ بل إذا تعذر دفع بعضها بتصرف المولى يتعذر دفع كلها فكذلك حال العبد المدفوع مكان الجزء الفائت منها وهذا بخلاف الأرش المستوفى من الجاني إذا كان جزءا لأن الأرش دراهم وفي الدراهم لا يثبت للمولى الخيار بين الدفع والفداء وإقدامه على التصرف إنما يكون دليل الاختيار إذا صادف محلا ثبت له فيه الخيار فأما هنا فالخيار ثابت له في العبد والأمة لأن كل واحد منهما يفيد التخير فيه بين الدفع والفداء فإعتاقه أحدهما يكون تصرفا في المحل الذي ثبت له فيه الخيار فيجعل ذلك اختيارا وهذا الاختيار يثبت له فيهما باعتبار جناية واحدة فيكون اختياره أحدهما اختيارا لهما جميعا بخلاف الأمتين إذا جنت كل واحدة منهما لأن ثبوت الخيار له في كل واحدة منها باعتبار جناية على حدة فلا يكون اختياره إحدى الجنايتين دليل الاختيار منه في الأخرى فإن أعتق العبد وهو لا يعلم بالجناية ثم اختار دفع الأمة دفع معها قيمة العبد لأن العبد لو كان قائما بعينه كان عليه دفعه معها وقد صار مستهلكا له بالإعتاق حين لم يكن عالما بالجناية فكان عليه قيمته .
( ألا ترى )
[ ص: 39 ] أنه لو أعتق الأمة وهو لا يعلم بالجناية كان عليه قيمتها ولو كان هذا العبد فقأ عين الأمة فدفع بها وأخذت الجارية فإن العبد يصير مكانها يدفعه المولى أو يفديه بالدية لأنه قائم مقامها حين دفع بها وكذلك لو قتلها عبد فدفع بها ولو قتلها حر خطأ فأخذ المولى قيمتها لم يقل للمولى : ادفعها أو افدها ولكنه يدفع قيمتها لأن القيمة دراهم أو دنانير والأرش كذلك ولا معنى للتخيير بين القليل والكثير في الجنس الواحد وإنما يؤمر بدفع القيمة التي قبضها إلى ولي الجناية بخلاف ما تقدم فالمدفوع هناك عبد وللناس في الأعيان أغراض فتخييره بين دفع العبد وبين الفداء بالقيمة يكون مقيدا .