وإذا
فقأ الحر عين مدبر أو أم ولد أو مكاتب أو قطع يديه أو أذنيه أو رجليه كان عليه نقصان ذلك ; لأن إيجاب جميع القيمة على الجاني غير ممكن هاهنا ، فإن شرط وجوب جميع قيمة الدية دفع الجثة بدليل أنه لو كان قنا فغرم الجاني جميع القيمة بهذه الجناية سلمت له الجثة واتخاذ هذا الشرط متعذر في هؤلاء فيكون الواجب نقصان المالية بمنزلة ما لو جنى على المملوك جناية ليس لها أرش مقدر ، فإنه يجب نقصان ، ولو فعل ذلك بعبد بأن فقأ عينه أو قطع يديه كان عليه قيمته كاملة ، فإذا أخذها المولى دفع إليه الجثة عندنا ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ليس عليه دفع الجثة إلى الجاني ولكن يأخذ منه القيمة ويسلم له الجثة ; لأن القيمة بدل عن الفائت خاصة ، فإن الجناية على المماليك بمنزلة الجناية على الأحرار ولهذا يقدر بدل طرفه بكمال بدل نفسه كما في الحريم الواجب في حق الحر يكون بدلا عن الفائت دون القائم فكذلك منه في حق العبد .
وهذا على أصله مستقيم ، فإنه يجعل
[ ص: 97 ] طرف العبد مضمونا بالقصاص بطرف الحر ، ولا أجمعنا على أنه لو قطع إحدى اليدين من العبد يغرم نصف القيمة ، ولا يملك به شيئا من الجثة بل يكون ذلك بدلا عن الفائت خاصة فكذلك إذا قطع اليدين اعتبارا للكل بالبعض وأصحابنا يقولون يوفر على المولى كمال بدل ملكه وملكه محتمل للنقل فلا يحتمل للبدل على نفسه على ملكه كالغاصب إذا أخذ منه المغصوب القيمة بطريق الصلح بالاتفاق أو بقضاء القاضي عندنا ، وهذا لأن البدل والمبدل لا يجتمعان في ملك رجل والضمان إنما يجب جبرا للفائت فمع بقاء أصل ملكه في العين لا يملك إيجاب الضمان بطريق الجبران ، ثم الدليل على أن الواجب هاهنا بدل عن جميع العبد ; لأن الواجب يقدر بمالية العبد وأن العبد صار في حكم المستهلك لفوات منفعة الجنس منه ، ولو كان مستهلكا حقيقة كان الواجب من القيمة بدلا عنه فكذلك إذا صار مستهلكا حكما ، وإذا ثبت أن الواجب بدل عن الكل فيملك به ما يحتمل التمليك دون ما لا يحتمله ، والجثة وإن كانت مستهلكة حكما فهي محل التمليك بخلاف ما إذا كانت مستهلكة حقيقة ، فأما في الحر لا يمكن أن يجعل بمقابلة الجثة إذ لا قيمة للحربي الحر ; لأن جعل القيمة بمقابلة الجثة إنما يجعل ليتملك والحر لا يحتمل ذلك ، فلو جعلنا الدية بمقابلة الجثة إنما يجعل ليتمكن من إتلافه الجثة ، وهذا لا وجه له .
فأما إذا قطع إحدى اليدين من العبد فهناك الجثة قائمة حقيقة وحكما لبقاء منفعتها فيجعل الواجب بمقابلة المتلف خاصة ، وهذا لأن الواجب جزء من مالية المعتق والفائت جزء من العين فيمكن جعل الجزء بمقابلة الجزء وها هنا الواجب جميع مالية العين والفائت جزء من العين حقيقة وجميع المالية لا يمكن أن تجعل بمقابلة الجزء فلهذا جعلنا القيمة بمقابلة الكل يوضحه أنه إذا غرم نصف القيمة بقطع إحدى اليدين ، فأما إن ملك نصفا معينا من جانب اليد المقطوعة ولحيوان لا يحتمل ذلك أو نصفا شائعا من جميع العبد فيكون ذلك ثلاثة أرباعه معنى ; لأن اليد من الآدمي نصفه ، وقد فات النصف وملك نصف فما بقي فذلك ثلاثة أرباع ، ولا يجوز أن يسلم ثلاثة أرباعه بضمان نصف القيمة ، فأما هاهنا الواجب جميع مالية العين ، ولا يسلم له إلا جميع مالية العين تمليكا وإتلافا ، فإن أبى المولى أن يدفع الجثة لم يكن له أن يرجع بشيء على الجاني في قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رحمه الله ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد رحمهما الله له أن يرجع بنقصان المالية .
وفي ظاهر المذهب عندنا الخيار ثبت للمولى بين أن يدفع الجثة ويأخذ القيمة وبين أن يمسك ويأخذ النقصان وكان
أبو بكر الأعمش رحمه الله يقول الخيار للجاني بين أن يأخذ الجثة ويغرم القيمة وبين أن يغرم النقصان
[ ص: 98 ] ولا يأخذ الجثة ; لأن الضمان عليه فالخيار في مقدار ما يلزمه من الضمان إليه والأصح هو الأول .
ووجه قولهما أن العبد في حكم الجناية على أطرافه بمنزلة المال حتى لا يتعلق القصاص بالجناية على أطرافه بحال ، ولا تتحمله العاقلة وتجب بالغة ما بلغت فعرفنا أنه بمنزلة المال ، وفي الجناية على الأموال يثبت الخيار للمالك بمنزلة ما لو خرق ثوب إنسان خرقا فاحشا أو قطع بعض قوائم دابة الغير كان لصاحبها الخيار بين أن يضمنه جميع القيمة ويسلم العين إليه وبين أن يضمنه النقصان فهذا مثله ، وهذا بخلاف الجناية على الحر ; لأنه لا يمكن النقصان في بدل نفسه بالجناية على طرفه وها هنا يمكن النقصان من بدل نفسه بالجناية على طرفه فيعتبر النقصان هاهنا .
( ألا ترى ) أن في الجناية على المدبر يعتبر نقصان المالية لتعذر الدفع فكذلك في الجناية على القن ، فإذا امتنع دفع الرقبة التحق بما لو كان الدفع متعذرا والدليل عليه أن البائع لو قطع يدي المبيع قبل القبض واختار المشتري إمضاء العقد ، فإنه يسقط عنه من الثمن حصة نقصان المالية ، لهذا المعنى إن يقطع اليدين النقصان في بدل نفسه فيعتبر ذلك النقصان من قيمة الثمن فكذلك هاهنا
nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة يقول الجناية على بني
آدم إن أوجبت كمال بدل النفس لا يكون موجب النقصان كما في الجناية على الأحرار ، وهذا لأن كمال بدل النفس وجوبه بالنص والنقصان إنما يكون بطريق الاجتهاد والحذر والاجتهاد في غير موضع النص فمع وجود النص لا معنى لاعتبار النقصان وبه فارق المدبر ; لأن ما وجب هناك جميع بدل النفس بالجناية على أطرافه .
( ألا ترى ) أنه ليس للمولى أن يأخذ القيمة فوجب اعتبار النقصان بطريق المصير إلى الاجتهاد في غير موضع النص ، وكذلك في جناية البائع ; لأن مع إمضاء المشتري العقد لا يجب جميع بدل النفس بجناية البائع فاعتبرنا منها النقصان لذلك ، وحقيقة المعنى فيه ، وهو أن الجناية على أطراف المماليك من وجه بمنزلة الجناية على الأموال ومن وجه بمنزلة الجناية على الأحرار .
( ألا ترى ) أنه يجب جميع بدل النفس بقطع الطرف ، وإن الأطراف تابعة للنفس ، فإذا كان معنى النفسية معتبرا في الجناية على نفس المملوك فكذلك في الجناية على أطرافه وما تردد بين أصلين توفر حظه عليهما فلشبهه بالجناية على الأموال قلنا إذا لم يكن محل الدفع يجب النقصان ولشبهه بجناية الأحرار قلنا إذا وجب كمال بدل النفس لا يعتبر النقصان ، فإذا ثبت أن الواجب هاهنا هو القيمة دون النقصان عن شرط استيفاء جميع القيمة تسلم الجثة ، فإذا منع المولى هذا الشرط باختياره لم يكن له أن يرجع بشيء كما لو كسر قلب فضة لإنسان ، فإن لصاحب القلب أن يضمنه
[ ص: 99 ] قيمة القلب مصوغا من الذهب ويسلم إليه المكسور ، وإذا أمسك المكسور لم يكن له أن يرجع عليه بشيء ; لأنه منع إيجاد شرط سلامة القيمة له فيكون كالمبرئ له عن ضمان القيمة فكذلك هاهنا .