وإن
التقى عبد وحر ومع كل واحد منهما عصا فشج كل واحد منهما صاحبه موضحة فبرئا جميعا ، ولا يدرى أيهما بدأ بالضربة ، فقال المولى للحر أنت بدأت بالضربة ، وقال الحر بل العبد بدأ بها فالقول قول المولى لما بينا من المعنيين أن الحر يدعي سبق تاريخ في جناية العبد عليه ويدعي استحقاق أرش الجناية على العبد ، فإذا حلف المولى كان على الحر نصف عشر قيمة العبد ، للمولى أرش الموضحة ويدفع المولى عبده بجنايته أو يفديه ، وكذلك إن كان مع العبد سيف فمات العبد وبرئ الحر ; لأنه لا قصاص على العبد هاهنا ، فإنه لا قصاص بين العبيد والأحرار فيما دون النفس والحر إنما جنى على العبد بالقصاص فلا يجب عليه القصاص ، فإن مات العبد من ذلك فكان الواجب الأرش كما في المسألة الأولى .
وإذا ثبت أن القول قول المولى في إنكار التاريخ كان على عاقلة الحر جميع قيمة العبد ; لأن نفس العبد تحمله العاقلة فيكون مقدار ما تقتضيه ضربة الحر في قيمته إلى الوقت الذي ضرب العبد الحر ، وهو الوقت الذي يفديه المولى ذلك يكون للمولى ويكون في الباقي أرش جنايته على الحر ; لأن الحر استحق نفسه بجنايته عليه ، وقد مات وأخلف بدلا فيقوم البدل مقامه ويؤمر المولى بدفع ذلك القدر إلى الحر إلا أن يكون أرش جنايته عليه أقل من ذلك فحينئذ يدفع إليه مقدار أرش جنايته والباقي للمولى ، وإن كان
السيف مع الحر والعصا مع العبد ، وقد مات العبد وأرش جراحة الحر [ ص: 119 ] أكثر من قيمة العبد ، فقال المولى أنت بدأت فضربت عبدي ، وقال الحر بل العبد بدأ فضربني فالقول قول المولى ; لأنه منكر سبق التاريخ في جناية عبده عن الحر يكون له أن يقتل الحر قصاصا ; لأنه قتل عبده بالسيف وبطل حق الحر ; لأن المستحق له بجناية العبد نفس العبد ، وقد مات ولم يخلف بدلا يمكن استيفاء حقه منه ; لأنه إنما أخلف القصاص ، وإبقاء موجب جناية العبد على الحر فيما دون النفس من القصاص غير ممكن ، فإن قيل : كان ينبغي أن لا يجب القصاص على الحر ; لأنه إن كان الحر جنى على العبد أولا ، فقد استحق نفسه بجنايته ، ثم أقدم على قتل نفس هي مستحقة له بالجناية فصير ذلك شبهة في إسقاط القود عنه في الوجهين .
قلنا : لا كذلك ، فإن عبدا لو جنى على الحر ، ثم جنى الحر عليه وقتله يجب عليه القصاص ; لأن موجب جناية العبد على مولاه على ما بينا أن جناية الخطأ تتباعد عن الجاني وتتعلق بأقرب الناس إليه وأقرب الناس إلى العبد مولاه ولهذا خير المولى بين الدفع وبين الفداء وحق المجني عليه في العبد حق ضعيف حتى لا يمنع بقود شيء من تصرفات المولى فيه ومثل هذا الحق الضعيف لا يعتبر شبهة في إسقاط القود ، فإن
أقام الحر البينة على العبد أنه بدأ فضربه فهذا مثل الأول لما بينا أن حقه في العبد بسبب جنايته حق ضعيف فلا يمنع ذلك وجوب القصاص عليه بقتله إياه ، وقد فات محل حق الحر فبطل حقه .