صفحة جزء
( قال رحمه الله ) وإذا أوصى بعتق عبده بعد موته أو قال : أعتقوه أو قال : هو حر بعد موتي بيوم وأوصى لإنسان بألف درهم تحاصا في الثلث ، وليس هذا من العتق الذي يبدأ به ، وإنما يبدأ به إذا قال : هو حر بعد موتي عنهما أو أعتقه في مرضه ألبتة أو قال : إن حدث لي حدث من مرضى هذا فهو حر فهذا يبدأ به قبل الوصية ، وكذلك كل عتق يقع بعد الموت بغير وقت ، فإنه يبدأ به قبل الوصية بلغنا عن ابن عمر وإبراهيم قالا : إذا كان وصية وعتق فإنه يبدأ بالعتق ، وكان المعنى فيه أن العتق الذي يقع بنفس الموت سببه يلزمه في حالة الحياة على وجه لا يحتمل الرجوع عنه بخلاف الوصية بالعتق فإنه يحتمل الرجوع عنه ، ولكن هذا لا يستقيم في قوله إن حدث لي حدث من مرضي هذا ، فإن هذا يحتمل الفسخ ببيع الرقبة .

ولو قال هو حر بعد موتي بيوم فإن سببه لا يحتمل الفسخ بالرجوع عنه ومع ذلك لا يكون مقدما على سائر الوصايا ، ولكن الحرف الصحيح أن يقول : ما يكون منفذا عقيب الموت من غير حاجة إلى التنفيذ فهو في المعنى أسبق مما يحتاج إلى تنفيذه بعد الموت ; لأن هذا بنفس [ ص: 7 ] الموت يتم والآخر لا يتم إلا بتنفيذ من الموصى بعد موت الموصي والترجيح يقع بالسبق يوضحه أن العتق المنفذ بعد الموت مستحق استحقاق الديون ، فإن صاحب الحق ينفرد باستيفاء دينه إذا ظفر بحبس حقه ، وههنا يصير مستوفيا حقه بنفس الموت ، والدين مقدم على الوصية فالعتق الذي هو في معنى الدين يقدم أيضا فأما ما يحتاج إلى تنفيذه بعد الموت ، فهو ليس في معنى الدين فيكون بمنزلة سائر الوصايا .

ولو أعتق أمته في مرضه فولدت بعد العتق قبل أن يموت الرجل أو بعد ما مات لم يدخل ولدها في الوصية ; لأنها ولدت ، وهي حرة ، وهذا التعليل مستقيم على أصلهما ; لأن المستسعاة عندهما حرة عليها دين ، والعتق في المرض نافذ عندهما كسائر التصرفات ، وكذلك عند أبي حنيفة إن كانت تخرج من ثلثه ، وإن كان الثلث أكثر من قيمتها فعليها السعاية فيما زاد على الثلث وتكون بمنزلة المكاتبة ما دامت تسعى وحق الغرماء والورثة لا يثبت في ولد المكاتبة ; لأن الثلث والثلثين لا يعتبر من رقبتها إنما يعتبر من بدل الكتابة فلا يثبت حق المولى في ولدها حتى يعتبر خروج الولد من الثلث ، فإن ماتت قبل أن تؤدي ما عليها من السعاية كان على ولدها أن يسعى فيما على أمه في قياس قول أبي حنيفة بمنزلة ولد المكاتبة وعندهما لا شيء على الولد ; لأنه حر فلا يلزمه السعاية في دين أمه بعد موتها .

ولو دبر عبدا له قال : إن حدث لي حدث من مرضي هذا فأنت حر ، ثم مات من مرضه تحاصا في الثلث ; لأنهما استويا في معنى الاستحقاق بعد الموت على معنى أن كل واحد منهما في مرض موته فيتحاصان في الثلث .

ولو أوصى لعبده بدراهم مسماة أو بشيء من ماله مسمى لم تجز كما لو وهب له في حال حياته ، وهذا ; لأن الكسب يملك الرقبة ففي حياته الملك له في الموصى به ، والموصى له بعد موته الملك لورثته في جميع ذلك فهذه الوصية لا تفيد شيئا ، والعقود الشرعية لا تنعقد خالية عن فائدة .

قال : ولو أوصى له ببعض رقبته عتق ذلك المقدار ، وسعى في الباقي في قول أبي حنيفة بمنزلة ما لو وهب له بعض رقبته في حياته ; لأن العتق عند أبي حنيفة يتجزأ .

ولو أوصى له برقبته كلها عتق من الثلث وكذلك لو وهب له رقبته أو تصدق بها عليه في مرضه عتق من الثلث .

ولو أوصى له بثلث ماله جاز ; لأن هذه الوصية تتناول ثلث رقبته فإن رقبته من ماله فيعتق ذلك القدر منه بالموت ويصير عندهما حرا ، وعند أبي حنيفة بمنزلة المكاتب فتصح الوصية له بالمال فإذا بقي له من الثلث شيء أكمل له ذلك من رقبته ، وأعطي ما فضل على ذلك إن كان في المال ، وإن كان في قيمته فضل على الثلث سعى فيه للورثة بعد موته

التالي السابق


الخدمات العلمية