ص ( لا بمتغير لونا أو طعما أو ريحا بما يفارقه غالبا من طاهر أو نجس كدهن خالطه أو بخار مصطكى وحكمه كمغيره )
ش : هذا معطوف على قوله بالمطلق والمعنى أن
الحدث وحكم الخبث يرتفع بالماء المطلق ولا يرتفع شيء من ذلك إلا بالماء المتغير سواء كان تغيره في اللون أو في الطعم أو في الريح إذا كان المغير للماء ينفك عنه الماء غالبا وسواء كان ذلك المغير طاهرا أو نجسا وذلك كالدهن الذي يخالط الماء أي يمازجه وكاللبن
[ ص: 59 ] والزعفران والخل وغير ذلك وكالماء المتغير طاهرا أو نجسا وذلك كالدهن الذي يخالط ببخار المصطكى ونحوها وإذا تغير الماء بما ذكرنا فحكمه حكم الشيء الذي غيره فإن كان ذلك الشيء طاهرا فالماء طاهر غير مطهر فيستعمل في العادات كالشرب والطبخ والعجن وغسل الثياب من الوسخ ولا يرفع الحدث ولا حكم الخبث وإن
كان ذلك الشيء الذي غير الماء نجسا فالماء نجس لا يستعمل لا في العادات ولا في العبادات ويجوز أن يسقى به الزرع وأن يسقى للماشية ويصير بولها وروثها نجسا كما سيأتي بيانه عند قول
المصنف وينتفع بمتنجس لا نجس وقوله أو نجس يصح أن يقرأ بفتح الجيم فيكون المراد عين النجاسة قال
النووي النجس بفتح الجيم عين النجاسة كالبول ونحوه ويصح أن يقرأ بكسرها فيكون المراد به الشيء المتنجس ويدخل في ذلك عين النجاسة من باب أولى .
وخصص
المتغير بالدهن المخالط والمتغير ببخار المصطكى بالذكر لنكتة أما الأول فلينبه بذلك على مفهوم قوله وإن بدهن لاصق إذ لا خلاف في أن الماء المتغير بمخالطة الأدهان غير طهور وقول
الشارح في الكبير والوسط أن هذا هو المعروف من المذهب يوهم أن في ذلك خلافا وليس ذلك مراد
الشارح وإنما أراد الرد على ظاهر إطلاق قول
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب أن المتغير بالدهن طهور وقد تقدم بيان ذلك وحمل
المصنف وغيره له على الدهن الملاصق وعبارات الشارح في الصغير أحسن منه قال وهذا هو المذهب والله أعلم وأما المتغير ببخار المصطكى فلينبه على الراجح من الخلاف الذي بين المتأخرين فيه قال في التوضيح وحكى
المازري في المبخر بالمصطكى وغيرها قولين للمتأخرين بناهما على أنه مجاور فلا يسلب الطهورية أو مخالط فيسلب والظاهر أنه مخالط ولم يحك
اللخمي غيره انتهى كلام التوضيح وقال
ابن عرفة : جزم
اللخمي بإضافته صواب وقال الشارح في الكبير وهذا الخلاف جار في المبخر بالعود وغيره حكاه الأشياخ المتأخرون انتهى .
وهذا مفهوم من كلام التوضيح وقيده
البساطي في المغني بالتغيير البين فقال إذا بخر الإناء وظهر أثره في الإناء ظهورا بينا فإنه يسلب وظاهر كلام غيره الإطلاق ولعل مراده بالبين أن يدرك التغير فيه والمصطكى بفتح الميم وضمها وبالصاد المهملة وبمد مع الفتح قاله في القاموس ولو قال أو بخار كمصطكى لكان أوضح وأشمل .
( تنبيهات الأول ) ظاهر كلام
المصنف أنه إذا تغير أحد أوصاف الماء بما ينفك عنه سلبه ذلك التغير الطهورية سواء كان التغير ظاهرا أو خفيا وهذا هو المعروف في المذهب إلا ما نبه
المصنف على أنه إنما يضر فيه التغير البين كما سيأتي وذلك مما يبين أنه أراد الإطلاق في كلامه هنا وحكى
ابن فرحون وصاحب الجمع قولا باغتفار التغير اليسير وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13612ابن هارون إنه غير معروف في المذهب وقال
ابن فرحون ذكر
الإبياني في سفينته أن خفي التغير معفو عنه من جهة الشارع وذلك أن أواني
العرب لا تنفك من طعم يسير أو رائحة يسيرة وكانوا لا يتحرجون عن استعمالها انتهى وحكى صاحب الجمع عن
nindex.php?page=showalam&ids=13612ابن هارون أن بعضهم عزى القول بالتفصيل بين التغير اليسير والكثير للمذهب قال
nindex.php?page=showalam&ids=13612ابن هارون وهذا يحمل عندي على ما تغير بما لا ينفك عنه غالبا لا على أن التغير اليسير مغتفر لأن ذلك غير معروف في المذهب .
(
قلت ) : وما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13612ابن هارون هو الذي يقتضيه كلام أهل المذهب ولم ينقل صاحب الطراز التفريق بين التغير اليسير والكثير إلا عن الشافعية وأما ما استدل به
الإبياني من مسألة أواني
العرب فلا دليل فيه لأن ذلك بمنزلة ما لا ينفك عنه الماء غالبا كما تقدم عن
ابن راشد وفي كلام
nindex.php?page=showalam&ids=13612ابن هارون المتقدم هنا إشارة إلى ذلك وذكر
الوانوغي في حاشيته على تعليقة
أبي عمران في الإناء يصب منه الودك أو الزيت ثم يصب فيه الماء فتعلوه شيابة هل يتوضأ به ؟
[ ص: 60 ] فقال : أما اليسير فلا يضر انتهى .
(
قلت ) : وهذا كله فيما تغير بطاهر وأما ما تغير بنجس فلا فرق فيه بين التغير اليسير والفاحش قليلا كان الماء أو كثيرا جاريا أو راكدا وحكى
النووي في شرح المهذب الإجماع على ذلك قال وسواء تغير لونه أو طعمه أو ريحه .
(
قلت ) : في حكاية الإجماع على ما تغير ريحه فقط نظر لما سيأتي عن
ابن الماجشون ، ( الثاني ) ظاهر كلام
المصنف أيضا أنه لا فرق بين كون أجزاء الماء أكثر من أجزاء المخالط أو عكس ذلك وهذا هو المعروف في المذهب وحكى
اللخمي فيما إذا كانت أجزاء المخالط الطاهر المغير للماء أقل من أجزاء الماء قولين قال : والمعروف من المذهب أنه غير طهور وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك أنه مطهر وإن تركه مع وجود غيره استحسان وأخذ ذلك من الرواية التي في مسألة الغدير بتغير بروث الماشية ومثله البئر إذا تغير بورق الشجر كما سيأتي بيانه ورد عليه صاحب الطراز وقال : إن ذلك فاسد وإنما تردد فيه
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك لاشتباه الأمر فيه هل يمكن الاحتراز منه أم لا ونحوه
الباجي كما سيأتي وتبع
nindex.php?page=showalam&ids=13170ابن رشد في نوازله
اللخمي فيما ذكره فقال : وإن كان ما انضاف إلى الماء من الأشياء الطاهرة ليس هو الغالب إلا أنه غير أوصاف الماء أو بعضها فالمشهور في المذهب المعلوم من قول
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك وأصحابه أنه غير مطهر ولا يجوز الغسل ولا الوضوء به ولا يرفع حكم النجاسة من ثوب ولا بدن وقد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك أنه قال : ما يعجبني أن يتوضأ به من غير أن أحرمه فاتقاه من غير تحريم انتهى فتأمله .
ونقل
ابن عرفة كلام
اللخمي nindex.php?page=showalam&ids=13170وابن رشد بعبارة توهم التسوية بين القولين وسيأتي لفظه في الكلام على مسألة الغدير والله أعلم .
( الثالث ) علم من كلام
المصنف أن المعتبر في سلب الطهورية إنما هو تغير أحد أوصاف الماء لا مجرد مخالطة الماء لغيره فلو وقع في الماء جلد أو ثوب وأخرج ولم يتغير الماء لم يضره وقاله في المدونة قال في الطراز وكذلك لو غمس فيه خبز وأخرج في الحين أو بل فيه شيء من الحبوب ولم يغيره قال : والعلة تغير أحد أوصاف الماء انتهى مختصرا . وهذا هو المعروف في المذهب وحكي في الطراز عن
nindex.php?page=showalam&ids=12322أصبغ أنه لا يتوضأ بماء بل فيه شيء من الطعام أو غسل به ثوب طاهر أو توضئ به سواء تغير الماء أو لم يتغير فإن توضأ به وصلى أعاد أبدا ذكره في باب أحكام المياه في موضعين .
( الرابع ) ما ذكره
المصنف من اعتبار تغير الرائحة هو المشهور في المذهب كما صرح به
ابن عرفة وغيره وقال
ابن الماجشون : إن تغير الريح غير معتبر قال
ابن ناجي في شرح المدونة : وهو ظاهر المدونة يعني حيث لم يذكر فيها تغير الريح وهو ظاهر الرسالة أيضا فإنه لم يذكر فيها تغير الريح وذكر
ابن عرفة عن
nindex.php?page=showalam&ids=13170ابن رشد قولا ثالثا يفرق فيه بين التغير الشديد والخفيف وعزاه
nindex.php?page=showalam&ids=15968لسحنون أخذا من قوله من توضأ بماء تغير بما حل فيه تغيرا شديدا أعاد أبدا قال
ابن ناجي في شرح الرسالة وهذا الكلام يتناول الطعم واللون إذ ليس في كلام
سحنون ما يدل على خصوصية الريح انتهى . قال
ابن عرفة : وقول
nindex.php?page=showalam&ids=13170ابن رشد أن
ابن الماجشون ألغى تغير الريح مطلقا يناقض قوله في موضع آخر إذا أنتن الماء واشتدت رائحته فنجس اتفاقا انتهى .
(
قلت ) : كلام
nindex.php?page=showalam&ids=13170ابن رشد الثاني في أواخر سماع
أشهب من كتاب الوضوء قال
ابن عرفة : وقول
عياض أجمعوا على نجاسة ما غير ريحه نجاسة بعيد انتهى .
(
قلت ) : هذا نحو كلام
النووي المتقدم واستشكل بعض أشياخ
ابن بشير قول
ابن الماجشون حتى حمل قوله على التغير بالمجاورة وتبعه على ذلك خلق كثير منهم
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب فقال : ولعله قصد التغير بالمجاورة قال
ابن الإمام : وهذه غلطة عظيمة فقد حكى عنه
أبو زيد في الثمانية أن وقوع الميتة في البئر لا يضر وإن تغيرت رائحته حتى يتغير لونه أو طعمه وصرح
اللخمي والمازري بأن خلافه مع تغير الرائحة بما حل في الماء وخالطه انتهى . وذكر
المصنف نحو هذا في التوضيح والله أعلم .
( الخامس ) إذا وقع في الماء نجاسة ولم
[ ص: 61 ] تغيره ثم حل فيه ما هو طاهر كاللبن ونحوه فغيره فهو طاهر على المستحسن من المذهب وإن تقدمت الإضافة ثم حلت فيه نجاسة كان نجسا لأن الماء المضاف والمائعات لا تدفع عن نفسها قاله
اللخمي ونقله
البساطي في المغني
والشبيبي في شرح الرسالة ولم يذكروا فيه خلافا وكأنه أراد بأول كلامه الماء اليسير إذا حلته نجاسة ولم تغيره فلذلك قال على المستحسن من المذهب وأما لو كان الماء كثيرا فإنه طاهر بلا خلاف والله أعلم .
( السادس ) قال في التوضيح لما ذكر أن حكم الماء حكم ما غيره فإن كان نجسا فالماء نجس وإن كان المغير طاهرا فالماء طاهر غير مطهر ما نصه وانظر إذا خالطه مشكوك فيه انتهى .
(
قلت ) : والذي يظهر أنه طاهر لأنه سيأتي أنه إذا شك في نجاسة المصيب لا يجب غسله ولا ينضح فيكون الماء طاهرا غير مطهر لأن الفرض أنه تغير بما وقع فيه إلا أن يشك أيضا في المغير هل هو مما يسلبه الطهورية أم لا فيحمل على أنه طاهر مطهر كما تقدم والله أعلم .
( السابع ) قال في المدونة : قال
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب عن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في رجل أصابته السماء حتى استنقع من المطر شيء قليل فليتوضأ منه وإن جف تيمم به وإن خاف أن يكون فيه زبل فلا بأس به قال
ابن ناجي هذا في الفلوات وأما في طرق المدن فلا لأن الغالب عليها النجاسة انتهى