ص ( ونصب المقبل قامته )
ش : هذه الدقيقة التي نبه عليها
النووي وغيره من متأخري الشافعية وبنوه على أن الشاذروان من
البيت قال
النووي في إيضاحه : وين أن ينتبه هنا لدقيقة ، وهي أن من قبل الحجر الأسود فرأسه في حال التقبيل في جزء من
البيت فيلزمه أن يثبت قدمه في موضعهما حتى يفرغ من التقبيل ويعتدل قائما ; لأنه لو زالت قدماه عن موضعهما إلى جهة الباب قليلا ثم لما فرغ من التقبيل اعتدل عليهما في الموضع الذي زالتا إليه ومضى من هناك لكان قد قطع جزءا من طوافه ، ويده في هواء الشاذروان فتبطل طوفته تلك انتهى .
ونقله
ابن معلى ثم نقل عن غير
النووي من الشافعية أنه ينبغي للطائف أن يحترز في حال استلامه الحجر والركن اليماني من هذا الشاذروان ; لأنه إن
طاف ويده ورأسه في هواء الشاذروان أو وطئه برجله لم يصح طوافه فالواجب على الطائف أن يثبت قدميه حتى يفرغ من تقبيله ويعتدل قائما ثم يمشي ، قال : وهذه من الدقائق النفيسة ، وكثير من الناس يرجعون بلا حج بسبب الجهل بما قلناه ، قال
ابن معلى بعد نقله هذا الكلام :
قلت : وقد نبه المتأخرون من المالكية على التحفظ من الشاذروان
nindex.php?page=showalam&ids=12671كابن الحاجب وغيره ، أما هذه الدقيقة التي حذرت الشافعية منها وبالغت في الإيضاح على التنبيه عليها فلم أر أحدا من المالكية نبه عليها غير شيخنا الفقيه المحقق
أبي يحيى بن جماعة ، فقال في كتابه المسمى بتذكرة المبتدي ما نصه
: وإذا قبل الطائف الحجر وقف حتى يعتدل قائما وحينئذ يأخذ في السير ، قال
ابن معلى : فيجب التحفظ من ذلك عند التقبيل انتهى .
كلامه ، ونقله
التادلي أيضا وقبله ، ونقل
ابن فرحون في مناسكه وشرحه كلام
التادلي وجعل قول
ابن معلى ، وقد نبه المتأخرون من المالكية على قوله : إلا شيخنا الفقيه المحقق من كلام
التادلي وكأنه لم يقف على
[ ص: 75 ] كلام
ابن معلى في منسكه فظن أنه من كلام
التادلي ، وقد أشار
المصنف إلى ما ذكره
ابن معلى والتادلي في مناسكه وتوضيحه قال في منسكه ولكون الشاذروان من
البيت قالوا ينتبه عند تقبيل الحجر إلى نكتة ، وهو أنه لا يطوف ، وهو مطأطئ الرأس بل يثبت قدميه ثم يرجع ويطوف ; لأنه إن طاف مطأطئ الرأس يكون قد طاف بعض الطواف ، وبعضه في
البيت انتهى .
وقول
المصنف في المناسك : ثم يرجع أي : يرجع قائما ، وليس مراده يرجع إلى جهة خلفه ، كما يفعله بعض الناس فيؤذي الطائفين بذلك ، كما يأتي في كلام
ابن جماعة الشافعي ويبين ذلك كلام
المصنف في توضيحه قال : قال بعضهم : إذا قبل الحجر فليثبت قدميه ثم يرجع قائما ، كما كان ، ولا يجوز أن يقبله ثم يمشي ، وهو مطأطئ الرأس لئلا يحصل بعض الطواف ، وليس جميع بدنه خارجا عن
البيت انتهى .
(
قلت : ) والذي يقتضيه كلام
المصنف ، ومن نبه على هذه الدقيقة من المالكية أن من لم ينتبه لها وطاف ، ورأسه أو يده في هواء الشاذروان أن طوافه ذلك لا يصح ، فإن تنبه لذلك بالقرب عاد ، ومشى ذلك القدر ، وإن أكمل الأسبوع فيبطل ذلك الشوط ، ويصير حكمه حكم من ترك جزءا من طوافه .
(
قلت : ) ، وينبغي أن يلاحظ في ذلك ما ذكرناه في الكلام على الشاذروان ، وأن من لم ينتبه لذلك حتى بعد عن
مكة أن لا يلزم بالرجوع لذلك مراعاة للخلاف في الشاذروان ، والله أعلم .
( تنبيه ) : قال
ابن رشيد في رحلته - لما ذكر هذه الدقيقة - : فهذه الدقيقة تغيب عن الصحابة ، ومن بعدهم فلا يتنبه أحد لها ، ولا نبه حتى نبه على ذلك بعض المتأخرين أن هذا لمن البعيد القصي في الغاية ، وقال
ابن فرحون : إن هذا لمن الأمر البعيد الذي لا تسكن إليه نفس عاقل انتهى .
وقال
القباب : وقد حذر بعض المتأخرين من الشاذروان ، وذكر بعض كلامهم ثم قال : ولو كان ، كما قالوا لحذر منه السلف الصالح لعموم البلوى بذلك مع كثرة وقوعه ، فتركهم ذكره دليل أن مثله مغتفر والتوقي منه أولى ، أما أن ذلك مبطل فبعيد انتهى .
وقال
ابن جماعة الشافعي : ولو كان ما ذكر الشافعية أنه ينبغي الاحتراز منه عند تقبيل الحجر معتبرا لنبه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة عليه لكونه مما تمس الحاجة إليه ، ولم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم نبه على ذلك بقول ، ولا فعل ، ولا الخلفاء الراشدون ، ولا الصحابة رضي الله عنهم مع توفر الدواعي على النقل وليت من يعتبر ذلك يقف عند ما قالوه بل يزيد بعض المتنطعين منهم فيتأخر خطوة أو أكثر منها إلى جهة ورائه بعد تقبيل الحجر فربما آذى من خلفه بتأخره فليحذر من ذلك ، والله أعلم .