( تنبيهات الأول ) إذا
نوى المحرم بالحج أو بالقران بطوافه الذي يسعى بعده طواف القدوم الواجب عليه فهذا هو المطلوب ، وإن
نوى طواف القدوم ، واعتقد أنه سنة ، فإن كان ممن له معرفة ، ويعلم أن طواف القدوم من الأفعال اللازمة للمحرم بالحج أو بالقران ، وأنه إن تركه فعليه دم ، وأن تسميته سنة بمعنى أنه ليس بركن فهو عندي كالأول ، وإن اعتقد أنه سنة بمعنى أنه لا يلزم الإتيان به فالظاهر أنه لا يجزيه ويعيد ما دام
بمكة ، وإن
نوى طواف القدوم ، ولم يستحضر أنه واجب أو سنة ، فإن كان يعلم أنه واجب فهذا لا يضر كمن
نوى صلاة الظهر ، ولم يستحضر أنها واجبة ، وإن كان يعتقد أنها سنة فعلى ما تقدم من التفصيل المذكور ، وإن لم يستحضر طواف القدوم ونوى أنه يطوف لحجه ، فإن كان يعتقد أن المحرم بالحج إذا دخل
مكة يجب عليه الطواف والسعي ونوى بطوافه ذلك فالظاهر أنه يجزيه ، وإن لم يعلم ذلك فيعيد ما دام
بمكة ، وكذلك لو
نوى الطواف ، ولم يستحضر شيئا فهذا يعيد ما دام
بمكة لقوله في المدونة : لم يجزه سعيه إلا بعد طواف ينوي به الفريضة وكما صرح بذلك
nindex.php?page=showalam&ids=14836العوفي فيما تقدم ، والله أعلم .
( الثاني : ) لم يذكر
المصنف من شروط السعي إيصاله بالطواف واتصاله في نفسه وذلك شرط إلا أن التفريق اليسير مغتفر قال
اللخمي : ويوالي بين الطواف والركوع والسعي ثم قال : وإن
فرق بين الطواف والسعي لم يجب عليه أن يستأنف ، وكذلك إذا
فرق بين السعي نفسه وخرج لجنازة أو نفقة أو ما أشبه ذلك ما لم يطل ، فإنه يستأنف الطواف ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في كتاب محمد فيمن طاف ، ولم يخرج للسعي حتى طاف تنفلا سبعا أو سبعين أحب إلي أن يعيد الطواف ثم يسعى ، فإن لم يعد الطواف رجوت أن يكون في سعة ، وقال فيمن
طاف وركع ثم مرض فلم يستطع السعي حتى انتصف النهار : إنه يكره أن يفرق بين الطواف والسعي ، وقال
ابن القاسم : يبتدئ ، وهذا استحسان ، فإن لم يفعل أجزأه ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك فيمن
طاف ليلا أو أخر السعي حتى أصبح : فإن كان بطهر واحد أجزأه ، وإن كان قد نام وانتقض وضوءه فبئس ما صنع وليعد الطواف والسعي والحلق ثانية إن كان
بمكة ، وإن خرج من
مكة أهدى وأجزأه ، وهذا يدل على أن إعادة المريض استحسان ; لأن هذا فرق ، وهو قادر على أن يسعى قبل أن يصبح فرآه مجزيا عنه ، ولا إعادة عليه إن لم تنتقض طهارته ، وقوله أيضا إذا انتقضت طهارته أنه يعيد استحسانا ، ولو كان واجبا لرجع ، ولو بلغ بلده ; لأن السعي يصح بغير طهارة إذا سعى بالقرب ، ويصح من الحائض فلم يكن لمراعاة انتقاض الطهارة إذا بعد وجه انتهى .
(
قلت : ) ولعل وجه ذلك أنه مظنة للتفريق الفاحش ، وقال في المدونة ، وإن جلس بين طهراني سعيه شيئا خفيفا فلا شيء عليه ، وإن طال فصار كتارك ما كان فيه فليبتدئ ، ولا يبني ، وإن صلى على
ابن بزيزة فقال ورخص للمدني يمر
بذي الحليفة مريضا في تأخيره
للجحفة على المشهور : لا
لمكة انتهى .
وكذا
التلمساني وسيدي الشيخ
أحمد زروق ، وفي شرح الإرشاد ، وعليه اقتصر
أبو إسحاق التونسي ونصه : والمريض يحرم
بذي الحليفة ، وإن أصابه شيء افتدى ، وإن أخر إلى
الجحفة فهو في سعة ، أما إن
أراد أن يترك الإحرام لمرضه حتى يقرب من مكة لغير ميقات له فلا يفعل وليحرم من الميقات انتهى .
فتحصل من هذا أن في المسألة قولين أحدهما أنه يرخص له في التأخير ، وهو الذي شهره
ابن بزيزة والثاني : أنه لا يرخص له في التأخير ، وقد علمت أن هذا القول رجحه
اللخمي وصاحب الطراز
وابن عبد السلام ، والله أعلم .
وانظر على هذا القول هل التأخير حرام ويجب بسبب الهدي أم لا ولفظ النوادر المتقدم : لا ينبغي ، وهكذا نقله
اللخمي وسند والمصنف وغيرهم ، وهو لا يقتضي التحريم ، ونقله
ابن بشير في التنبيه بلفظ لا يجوز ، وهو يقتضي التحريم ، ونصه : وهل للمريض من أهل
المدينة ومن غيرها أن يؤخر إذا مر
بذي الحليفة حتى يحرم من
الجحفة ؟ قولان أحدهما : أن ذلك جائز لعذره والثاني : أن ذلك لا يجوز وليحرم ، فإن طرأ عليه ما يوجب الفدية افتدى انتهى .
فلعله فهم قول لا ينبغي على التحريم ، وفي كلامه فائدة أخرى ، وهي أن القولين جاريان في المريض ، ولو كان من غير أهل
المدينة ، وهو : ظاهر ومثله ما تقدم في كلام
أبي إسحاق التونسي ويعني بغير أهل
المدينة من يجب عليه الإحرام من ميقات أهلها احترازا من المصري ومن ذكر معه ; لأن الإحرام من
الحليفة في حق هؤلاء مستحب ، والله أعلم .
( تنبيه ) : قال
ابن فرحون في شرحه : لو
كان المدني غير مريض وأخر الإحرام إلى الجحفة ففي وجوب الدم وسقوطه قولان ، والوجوب
nindex.php?page=showalam&ids=16867لمالك واختلف أصحابه في الوجوب والسقوط ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر في الاستذكار ، ونقله
التادلي في مناسكه انتهى .
ونحوه في مناسكه والذي نقله
التادلي عن
ابن زرقون عن
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر أنه قال
اختلف في مريد الحج والعمرة يجاوز ميقاته إلى ميقات أقرب منه مثل أن يترك المدني الإحرام من
ذي الحليفة ويحرم من
الجحفة فقال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : عليه دم ، ومن أصحابه من أوجب الدم فيه ، ومنهم من أسقطه انتهى .
وهكذا نقل
المصنف في التوضيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر في الاستذكار ، ولم يقيده بمرض ، ولا بغير مرض ولكنه ظاهر في أن المراد به الصحيح ولذا قال في الشامل : ولا يؤخره صحيح ، وإلا فالدم على الأصح وتقدم في كلام
ابن عرفة أنه لا يعرف الخلاف بغير قيد المرض إلا
nindex.php?page=showalam&ids=13332لابن عبد البر ، والله أعلم .
ص ( كإحرامه أوله )
ش : يعني أن الإحرام من أول الميقات أولى ; لأن المبادرة إلى الطاعة مستحبة قال في النوادر ومن كتاب
ابن المواز قيل :
nindex.php?page=showalam&ids=16867لمالك في ميقات الجحفة أيحرم من وسط الوادي أو آخره قال كله مهل وليحرم من أوله أحب إلي ، وكذلك ما كان مثل
الجحفة من المواقيت وسئل أيضا : أيحرم من
الجحفة من المسجد الأول أو الثاني ؟ قال : ذلك واسع ، ومن الأول أحب إلينا انتهى .
ونقله
سند وذكر المسألة الأخيرة في رسم حلف ليرفعن من سماع
ابن القاسم إلا أنه لم يقل : ومن الأول أحب إلينا ، ولم يزد
ابن رشد في شرحها شيئا غير أنه ذكر كلام
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك الأول أعني قوله : مهل ومن أوله أحب إلي وعزاه للمختصر الكبير وانظر هل مراد
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بالمسجد الأول
رابغ أم لا ؟ والله أعلم .
( تنبيه ) : يستثنى من هذا من أحرم من
ذي الحليفة ، فإنه تقدم أن الأفضل له أن يركع للإحرام في مسجدها
[ ص: 87 ] جنازة قبل أن يفرغ من السعي أو باع أو اشترى أو جلس مع أحد أو وقف معه يحدثه لم ينبغ له ذلك ، فإن فعل منه شيئا بنى فيما خف ، ولم يتطاول وأجزأه ، وإن
أصابه حقن في سعيه مضى وتوضأ ، وبنى انتهى .
قال
سند : ولو جلس ليستريح فنعس ، واحتلم فليذهب فيغتسل ويبني ، وإن أتمه جنبا أجزأه ، وكذلك لو
حاضت المرأة بعد الركعتين ، فإنها تسعى ، وقال
التادلي : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11927الباجي : من طاف فلا ينصرف إلى بيته حتى يسعى إلا من ضرورة يخاف فواتها أو يتعذر المصير إليها ويرجو بالخروج ذهابها كالحقن والخوف على المنزل انتهى .
قال في التوضيح : وقوله في المدونة : فصار كتارك ما كان فيه فليبتدئ قال
أبو محمد : يريد الطواف والسعي
ابن يونس وغيره ، وظاهر قول
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب أنه يبتدئ السعي انتهى .
(
قلت : ) الظاهر ما قاله
أبو محمد ; لأنه إذا بطل سعيه كان كمن فرق بين الطواف والسعي ، وقد صرح
أبو إسحاق التونسي في مسألة من طاف للقدوم على غير وضوء بأنه إذا لم يسع بعد الطواف فسد الطواف ( الثالث : ) تقدم في لفظ التهذيب ما نصه : وإن فرغ من حجه ثم رجع إلى بلده وتباعد وجامع النساء ، فعطف قوله : وجامع بالواو يقتضي أن ذلك مسألة واحدة ، والذي في الأم عطفه بأو ، وهو الظاهر فتأمله