مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

صفحة جزء
ص ( وتعددت الكفارة إن عاد ثم ظاهر )

ش : يعني لو ظاهر ثم عاد ، ثم ظاهر أيضا لزمته كفارة ثانية [ ص: 121 ] ولو كان ظهاره ثانية بما ظاهر به أولا قال في التوضيح : كما لو قال : أنت علي كظهر أمي إن دخلت الدار ، وعاد ، ثم قال ثانيا أنت علي كظهر أمي إن دخلت الدار ; لأن الأولى لما تقرر شرطها ، وهو العود صارت اليمين الثانية ، وإن كانت بغير ما علق به أولا مخالفة للأولى ، فصار بمنزلة ما لو قال أنت علي كظهر أمي إن كلمت زيدا أو أنت علي كظهر أمي إن دخلت الدار انتهى ، واعلم أولا أن كلام المصنف نحو كلام ابن الحاجب ، وهو شامل لما مثل به في التوضيح ، وبما إذا قال لزوجته أنت علي كظهر أمي من غير تعليق ثم عاد ثم قال : أنت علي كظهر أمي ، ومقتضى كلامها أن الكفارة تتعدد في ذلك ، وهو خلاف مذهب ابن القاسم في الصورتين بل لو شرع في الكفارة عن الأول ثم ظاهر لم تتعدد الكفارة بل يبتدئها من حينئذ .

وتجزئ عن الظهارين قال ابن رشد : إذا وقع الظهار الثاني بعد أن شرع في الكفارة عن الظهار الأول ، وكان ذلك مما لا يجب فيه إلا كفارة واحدة لم يجب عليه إتمام الأولى ، واستأنف كفارة الظهار من يوم أوقع الظهار الثاني ، وحيث تجب عليه لكل واحد كفارة إذا أوقع الثاني بعد أن شرع في الكفارة الأولى يجب عليه إتمامها ، وابتداء كفارة أخرى للظهار الثاني هذا تحصيل مذهب ابن القاسم في هذه المسألة ، وحكى ابن حبيب عن أصبغ أنه إذا كان الظهار الأول بفعل ، والثاني بفعل ، فعليه لكل واحد كفارة ، وإن كان الفعل واحدا ، وهو بعيد ولابن الماجشون في ديوانه أن كفارة واحدة تجزئه في ذلك كيفما كان ، فعلى مذهبه إذا وقع الظهار الثاني بعد أن شرع في كفارة الظهار الأول يبتدئ من يوم أوقع الثاني ، وإن كانا جميعا بفعلين في شيئين مختلفتين ، وقد قيل إنه إذا أوقع الظهار الثاني بعد أن شرع في الكفارة للأول يتم للأولى ، ثم يستأنف الثانية ، وإن كانا جميعا بغير فعل قال ابن المواز : وهو أحب إلي إن لم يبق من الأولى إلا يسير ، وإن لم يكن من الأولى إلا يومان أو ثلاثة ، فإنه يتمها ، ويجزئه لهما جميعا ، وقول ابن القاسم في هذه المسائل كلها أظهر الأقوال ، وأولاها بالصواب انتهى .

ثم قال في سماع أبي زيد قال ابن القاسم : في رجل قال : أنت علي كظهر أمي إن لم أتزوج عليك فأخذ في الكفارة فلما صام شهرا وقع بينه وبينها مشاجرة فقال لها : أنت علي كظهر أمي إن لم أتزوج عليك ، قال يبتدئ شهرين من يوم ظاهر للظهار الآخر قيل له ، فإنه ابتدأ فلما صام أياما أراد أن يبر بالتزويج عليها قال إذا تزوج عليها سقطت عنه الكفارة ، وبطل عليه الصيام قال ابن رشد : لا يجب على الرجل الظهار بقوله امرأتي علي كظهر أمي إن لم أتزوج عليها ; لأنه لم يحنث بعد ، ولا يقع عليه الحنث إلا بعد الموت إلا أن الكفارة تجزئه قبل الحنث ; لأنها يمين هو فيها على حنث ، فإن أراد أن يكفر ليحل عن نفسه الظهار ، فيجوز له الوطء كان له ذلك ، وإن لم يفعل ، وطلبته المرأة بالوطء ضرب له أجل الإيلاء إذ لا يجوز له أن يطأ إلا أن يكفر ، فإن هو لما أخذ في الكفارة قال لها مرة أخرى أنت علي كظهر أمي إن لم أتزوج عليك عاد إلى ما كان عليه قبل أن يبتدئ الكفارة ، وسقط ما مضى منها ، ولم يكن له أن يطأ حتى يستأنف الكفارة على ما قال ، ولم يكن له أن يتم الكفارة التي دخل فيها ثم يستأنف الكفارة لليمين الأخرى ; لأن اليمينين جميعا على فعل واحد فلا يلزمه فيهما إلا كفارة واحدة فإن تزوج عليها بر بالتزويج ، وانحلت اليمين ، ولم يكن عليه إتمام ما دخل فيه من الكفارة ، وهذا كله بين انتهى ، وقال في التوضيح : ولو أخذ في كفارة الظهار ، ثم قال : أنت علي كظهر أمي فليبتدئ الآن كفارة واحدة ، وتجزئه ، وقيل بل يتم الأولى ، ويبتدئ كفارة ثانية محمد ، وهو أحب إلي إذا كان لم يبق من الأولى إلا اليسير ، وأما إن مضى يومان أو ثلاثة فليتم ، ويجزئه لهما ، وقال أشهب : سواء مضى أكثر الكفارة أو أقلها فإنه يجزئه أن يبدأ الكفارة [ ص: 122 ] عن الظهارين إذا كانا نوعا واحدا مثل أن يقول أنت علي كظهر أمي ثم يقول ، وقد أخذ في الكفارة مثل ذلك ، وكذلك لو كان الأول بيمين حنث فيها ، والثاني بغير يمين قال ، وإن كان الأول بغير يمين ، والثاني بيمين حنث فيها ، فليتم الأولى ، ويبتدئ كفارة ثانية للظهار الثاني انتهى .

، وقال ابن عرفة : ولو حدث التكرار بعد تمام كفارة الأول تعددت لما بعدها اتفاقا ، ولو حدث في أثنائها ، ففي إجزاء ابتدائها عنهما ، ولزوم تمام الأولى ، وابتداء ثانية ثالثها إن لم يبق من الأولى إلا اليسير ، وإن مضى منها يومان أو ثلاثة أجزأه إتمامها عنهما ثم ذكر الخلاف ثم قال ، وقول ابن الحاجب لو عاد ثم ظاهر لزم ظهاره دون خلاف ليس كذلك ، ولو قال : لو وطئ بدل لو عاد لاستقام انتهى ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية