( فرع ) التقليد هو الأخذ بقول الغير من غير معرفة دليله والذي عليه الجمهور أنه يجب على من ليس فيه أهلية الاجتهاد أن يقلد أحد الأئمة المجتهدين سواء كان عالما أو ليس بعالم وقيل : لا يقلد العالم وإن لم يكن مجتهدا ; لأن له صلاحية أخذ الحكم من الدليل .
( فرع ) قال
القرافي في شرح المحصول : قال
إمام الحرمين : أجمع المحققون على أن العوام ليس لهم أن يتعلقوا بمذاهب الصحابة رضي الله عنهم بل عليهم أن يتبعوا مذاهب الأئمة الذين سبروا ونظروا وبوبوا ; لأن الصحابة رضي الله عنهم لم يعتنوا بتهذيب المسائل والاجتهاد وإيضاح طرق النظر بخلاف من بعدهم ثم قال
القرافي : ورأيت للشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=12795تقي الدين بن الصلاح ما معناه أن
التقليد يتعين لهذه الأئمة الأربعة دون غيرهم ; لأن مذاهبهم انتشرت وانبسطت حتى ظهر فيها تقييد مطلقها وتخصيص عامها وشروط فروعها فإذا أطلقوا حكما في موضع وجد مكملا في موضع آخر وأما غيرهم فتنقل عنه الفتاوى مجردة فلعل لها مكملا أو مقيدا أو مخصصا لو انضبط كلام قائله لظهر فيصير في تقليده على غير ثقة بخلاف هؤلاء الأربعة قال : وهذا توجيه حسن فيه ما ليس في كلام
إمام الحرمين .
ثم أورد عليه أنه يلزم عليه عدم جواز نقل مذاهبهم لعدم انضباطها فلعل ما ننقله عنهم لو جمعت شروطه صار موافقا لما نجعله مخالفا له قال : ويمكن الجواب بأن أمر النقل خفيف بالنسبة للعمل فإنه قد يكون المقصود منه الاطلاع على وجوه الفقه والتنبيه على المدارك وعدم الوفاق فيوجب ذلك التوقف عن أمور والبحث عن أمور .
وقال
ابن برهان :
تقليد الصحابة يتخرج على جواز الانتقال في المذاهب فمن منعه لأن مذاهب الصحابة لم تكثر فروعها حتى يمكن لمقلد الاكتفاء به طول عمره انتهى باختصار . وأكثره باللفظ وذكر
البرزلي أن
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي سأل
الغزالي عمن قلد
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي مثلا وكان مذهبه مخالفا لأحد الخلفاء الأربعة أو غيرهم من الصحابة فهل له اتباع الصحابة لأنهم أبعد عن الخطأ ولقوله صلى الله عليه وسلم
[ ص: 31 ] {
nindex.php?page=hadith&LINKID=13685اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر }
nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر فأجاب أنه يجب عليه أن يظن
nindex.php?page=showalam&ids=13790بالشافعي أنه لم يخالف الصحابي إلا لدليل أقوى من مذهب الصحابي وإن لم يظن .
هذا فقد نسب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي للجهل بمقام الصحابي وهو محال وهذا سبب ترجيح مذهب المتأخرين على المتقدمين مع العلم بفضلهم عليهم لكون المتقدمين سمعوا الأحاديث آحادا وتفرقوا في البلاد فاختلفت فتاويهم وأقضيتهم في البلاد وربما بلغتهم الأحاديث فوقفوا عما أفتوا به وحكموا ولم يتفرغوا لجمع الأحاديث لاشتغالهم بالجهاد وتمهيد الدين فلما أنهى فتاويهم الناس إلى تابعي التابعين وجدوا الإسلام مستقرا ممهدا فصرفوا هممهم إلى جمع الأحاديث ونظروا بعد الإحاطة بجميع مدارك الأحكام ولم يخالفوا ما أفتى به الأول إلا لدليل أقوى منه وهذا لم يسم في المذاهب بكريا ولا عمريا . انتهى مختصرا .
ثم ذكر
البرزلي عن الشيخ
عز الدين بن عبد السلام أنه سئل
عمن صح عنده مذهب أبي بكر أو غيره من علماء الصحابة في شيء فهل يعدل إلى غيره أم لا فأجاب بأنه إذا صح عن عصر الصحابة مذهب في حكم من الأحكام فلا يجوز العدول عنه إلا بدليل أوضح من دليله ولا يجب على المجتهدين تقليد الصحابة في مسائل الخلاف بل لا يحل ذلك في وضوح أدلتهم على أدلة الصحابة انتهى . وهذا مخالف لما تقدم وهو أيضا مبني على مذهبه من جواز الانتقال من مذهب إلى مذهب كما سيأتي ثم ذكر عن
المازري أنه سئل هل يسوع الأخذ بقول
nindex.php?page=showalam&ids=15990ابن المسيب أن المبتوتة تحل بالعقد ؟ فأجاب بأني سئلت عن هذه المسألة حين وقعت لشخص قرأ علي في شيء من الأصول وجاءني سؤال من قبل قاضي
تونس وفقهائها فأكثرت النكير عليه وبالغت حتى أظن أني سمحت لهم في عقوبته وذكرت لهم أن هذا باب انفتح حدث منه خروق من الديانات وإني رأيت من الدين الجازم والأمر الحاتم أن أنهى عن الخروج عن مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك وأصحابه حماية للذريعة ولو ساغ هذا لقال رجل : أنا أبيع دينارا بدينارين مقلدا لما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وآخر إني أتزوج من غير ولي ولا شهود مقلدا في الولي
nindex.php?page=showalam&ids=11990لأبي حنيفة وفي الشهود
nindex.php?page=showalam&ids=16867لمالك وبدانق مقلدا
nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي وهذا عظيم الموقع في الضرر وهب أني أبحت لهذا السائل أن يفعل في نفسه فنكاحه لا يخفى فهو أولى بالحسم من غيره وقضاة بلده وفقهاؤهم لا يأخذون بذلك بل يفسخونه ولا تسمح أنفسهم بترك مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة لاتفاق الأمصار على تقليدهم انتهى .