ص ( ومن ذرعه قيء لم تبطل صلاته )
ش ذرعه بالذال المعجمة أي غلبه والمعنى أن من غلبه القيء في الصلاة لم تبطل صلاته ويتمادى فيها فإن خرج لغسله بطلت صلاته كما تقدم ومفهوم كلامه أنه لو تعمد القيء بطلت صلاته وهو كذلك وهذا إذا كان القيء طاهرا أو لم يرده بعد انفصاله إلى محل يمكن طرحه فإن كان القيء نجسا بأن تغير عن هيئة الطعام على المشهور أو قارب أوصاف العذرة على ما اختاره
اللخمي وابن رشد بطلت الصلاة كما سيأتي بيانه وإن كان القيء طاهرا ورده بعد انفصاله إلى محل يمكن طرحه ناسيا أو مغلوبا ففي بطلان صلاته قولان وأما إن رده طائعا غير ناس فلا خلاف في بطلان صلاته ولنذكر لفظ المدونة وكلام الشيوخ عليها قال في آخر باب الرعاف من المدونة في كتاب الطهارة ومن تقيأ عامدا أو غير عامد ابتدأ الصلاة ولا يبني إلا في الرعاف وحده قال في الطراز
القيء في الصلاة يختلف فيه منه ما يبطل الصلاة في المشهور ولو لم يتعمده ومنه ما لا يبطلها إلا إن تعمده فالأول هو ما كان نجسا مما خرج عن صفة الطعام والثاني ما كان طاهرا فيختلف فيه العامد من غيره كالأكل على ما بينه في الأكل في كتاب الصلاة ويختلف في القيء النجس إذا طرأ عليه هل يغسله عنه ويبني فعند
nindex.php?page=showalam&ids=12321أشهب يبني فيه وفي غيره من النجاسات على ما قاله في مدونته ثم ذكر توجيه المشهور في عدم البناء في غير الرعاف وقال
ابن رشد في رسم الصلاة الثاني من سماع
أشهب من كتاب الصلاة والمشهور أن من ذرعه القيء لا تفسد صلاته كما لا يفسد صيامه بخلاف الذي يستقي طائعا وهو قول
ابن القاسم في رسم استأذن من سماع
عيسى واختلف قوله إن رده بعد فصوله في فساد صلاته وصيامه يريد إن رده ناسيا أو مغلوبا وأما إن رده طائعا غير ناس فلا اختلاف في أن ذلك يفسد صومه وصلاته وقد قيل إن المغلوب أعذر من الناسي ولا يوجب ذلك الوضوء وإن كان نجسا لتغيره عن حال الطعام إلى حال الرجيع أو ما يقاربه إذ لا يوجب الوضوء على مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك إلا ما خرج من السبيلين من المعتاد على العادة باتفاق أو على غير العادة باختلاف انتهى .
فتحصل من هذا أن من ذرعه القيء غلبة فالمشهور وهو قول
ابن القاسم أن صلاته صحيحة وأن
من تعمد القيء أو رده بعد انفصاله طائعا فصلاته باطلة كما ذكره
ابن رشد في الرسم المذكور ولم يحك في ذلك خلافا ونقله عنه
ابن عرفة فقال : وعمد قيئه وابتلاعه بعد فصله مبطل انتهى ، وإن رده غلبة أو سهوا فاختلف قول
ابن القاسم في فساد صلاته وصيامه وقال
ابن رشد : إنه قد قيل : إن المغلوب أعذر من الناسي ويتحصل أيضا في رجوعه غلبة أو
[ ص: 496 ] نسيانا ثلاثة أقوال نقلها
ابن عرفة في فصل السهو ونصه وفي بطلانها بابتلاع مفصوله سهوا أو غلبة ، ثالثها إن سها
لابن القاسم ونقل
ابن رشد انتهى .
إذا علم هذا فقوله في المدونة عامدا أو غير عامد مشكل ، ولهذا قال
ابن غازي : وفي بعض المقيدات في هذا نص المدونة مشكل إلا أن يريد الكثير أو النجس أو المردود بعد إمكان الطرح وفي بعضها أنه قيل
لأبي الحسن الصغير لعله أراد أنه إذا ذهب للقيء لا يعود للبناء كما في الرعاف ، فقال : صواب إلا أن الشيوخ حملوه على خلاف ذلك ويعضد ما صوبه قوله بعد ولا يبنى إلا في الرعاف وإن
nindex.php?page=showalam&ids=12321أشهب يخالف فيه ، وكذا نقول هنا إن غير المغلوب مندرج في قول
المصنف ولا يبنى بغيره وصرح به في السهو إذ قال : وبتعمد كسجدة أو نفخ أو أكل أو شرب أو قيء انتهى .
وما ذكره
ابن غازي عن بعض المقيدات يقتضي أن القيء الكثير يبطل الصلاة ولو كان طاهرا أو كان غلبة وقد نص على ذلك
ابن بشير في كتاب الطهارة ونصه والقلس وهو ما يخرج عند الامتلاء أو برد المزاج وقد يكون فيه الطعام غير متغير فهو ليس بنجس ، لكنه إن خرج في الصلاة وكثر قطع ليس لنجاسته بل لأنه مشغل عن الصلاة ، وإن قل لم يقطع انتهى . ونقله
أبو الحسن في أوائل كتاب الطهارة وقبله ، وقال
الشبيبي في شرح الرسالة في باب جامع في الصلاة : وظاهره أيضا أن المردود يبطل الصلاة مطلقا سواء كان نسيانا أو غلبة أو باختياره وقد تقدم الاختلاف في الغلبة والنسيان .
( تنبيه ) ( القلس ) ماء حامض كذا فسره
ابن رشد وصرح في الرسم المذكور بأنه طاهر وأنه لا يفسد الصلاة وقال في التوضيح القلس ماء حامض تقذفه المعدة انتهى .
وحكمه حكم القيء فإن كان متغيرا فهو نجس كما تقدم بيانه في كتاب الطهارة في الكلام على القيء وإن كان غير متغير فلا يفسد الصلاة لأنه لا يكون غالبا إلا غلبة فإن تعمد القلس فحكمه حكم تعمد القيء فتبطل صلاته وإن ابتلعه بعد أن وصل إلى محل يمكن طرحه فاختلف في بطلان الصلاة بذلك إذا كان نسيانا أو غلبة كما تقدم عن سماع
عيسى وقال
ابن عرفة وغلبة القلس لغو فإن ابتلعه بعد فصله عمدا ففي بطلانها نقلا الشيخ عن
ابن القاسم وابن رشد عن رواية
ابن نافع أساء ولا قضاء عليه انتهى . والظاهر من القولين ما نقله
الشيخ فإن
ابن رشد قال في رسم استأذن من سماع
عيسى من كتاب الصلاة لما حكى رواية
ابن نافع وهو بعيد انتهى . وما ذكره
ابن رشد من أنه طاهر وهو على مذهب
ابن رشد أن القيء المتغير عن هيئة الطعام طاهر ما لم يشابه أحد أوصاف العذرة وأما على المشهور فيفصل في القلس كما يفصل في القيء كما قدمناه والله أعلم .