الحمد لله الذي جعل لكل أمة شرعة ومنهاجا وخص هذه الأمة بأوضحهما أحكاما وحجاجا ، وهداهم إلى ما آثرهم به على من سواهم من تمهيد الأصول والفروع وتحرير المتون والشروح لتستنتج منها العويصات استنتاجا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي ميزه الله على خواص رسله معجزة وخصائص ومعراجا صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه الذين فطموا أعداء الدين القويم عن أن يلحقوا بشيء من مقاصده أو مباديه شبهة أو اعوجاجا صلاة وسلاما دائمين بدوام جوده الذي لا يزال هطالا ثجاجا ( وبعد ) فإنه طالما يخطر لي أن أتبرك بخدمة شيء من كتب الفقه للقطب الرباني [ ص: 3 ] والعالم الصمداني ولي الله بلا نزاع ومحرر المذهب بلا دفاع أبي زكريا يحيى النواوي قدس الله روحه ونور ضريحه إلى أن عزمت ثاني عشر محرم سنة ثمان وخمسين وتسعمائة على خدمة منهاجه الواضح ظاهره الكثيرة كنوزه وذخائره ملخصا معتمدا شروحه المتداولة ومجيبا عما فيها من الإيرادات المتطاولة طاويا بسط الكلام على الدليل وما فيه من الخلاف والتعليل وعلى عزو المقالات والأبحاث لأربابها لتعطل الهمم عن التحقيقات فكيف بإطنابها ومشيرا إلى المقابل برد قياسه أو علته وإلى ما تميز به أصله لقلته فشرعت في ذلك مستعينا بالله ومتوكلا عليه ومادا أكف الضراعة والافتقار إليه أن يسبغ علي واسع جوده وكرمه وأن لا يعاملني فيه بما قصرت في خدمه لا سيما في أمنه وحرمه إنه الجواد الكريم الرءوف الرحيم ( وسميته تحفة المحتاج بشرح المنهاج )
حاشية ابن قاسم
[ ص: 2 ] بسم الله الرحمن الرحيم ) الحمد لله الذي وفق أئمة كل عصر لتحرير الأحكام ، وفقه في دينه القويم من أراده من الأنام ، وسلك بمن شاء المنهاج المستقيم فلا يحيد عن منهج الصواب وأفضل الصلاة والسلام على من أوتي الحكمة وفصل الخطاب [ ص: 3 ] وعلى آله الأنجاب وأصحابه النجوم وتابعيهم إلى يوم المآب ( وبعد ) فيقول العبد الفقير إلى الله سبحانه وتعالى منصور سبط الشيخ الطبلاوي الشافعي وفقه الله لحسن العمل وغفر له ما كان من الزلل هذه حواش رقيقة ونكات دقيقة وتحريرات شريفة وتنبيهات مهمة وفروع مسلمة لم يسبق لغالبها رسم في الدفاتر ، ولم تسمح بها قبل ذلك الخواطر جمعتها من خط محررها ورسم محبرها مولانا وشيخنا خاتمة من حقق وجهبذ من دقق [ ص: 4 ] إمام التحقيق والتحرير المجمع على أنه عالم العصر الأخير فخر الأئمة شيخ الإسلام أحمد بن قاسم العبادي الأزهري أحله الله دار الإكرام وجعلنا معه من الفائزين في موطن السعادة والسلام على شرح المنهاج لخاتمة أهل التصنيف وخطيب ذوي التأليف إمام العلماء المحققين ولسان الفقهاء المدققين مولانا شيخ مشايخ الإسلام والمسلمين عالم الحرم الأمين شهاب الملة والدين ابن حجر الهيتمي ثم المكي قدس الله روحه ونور ضريجه واعلم أنه حيث رمز بقوله م ر فمراده شيخنا شيخ الإسلام ، وأحد الأعلام محمد شمس الدين ابن شيخه خاتمة الفقهاء العظام شيخ مشايخ الأعلام أحمد الرملي الأنصاري سقى الله ثراه وجعل الجنة مأواه
حاشية الشرواني
[ ص: 2 ] بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ( قوله لكل أمة ) أي جماعة فإن كل أمة جماعة لنبيهم ، والنبي إمامهم ( قوله شرعة ومنهاجا ) الأول الطريق إلى الماء والثاني مطلق الطريق الواضح شبه به الدين ؛ لأنه سبب الحياة الأبدية وموصل إليها وفي كل منهما براعة الاستهلال ( قوله وخص هذه الأمة ) أي أمة الإجابة ( قوله بأوضحها ) الباء داخلة على المقصور فهي على حقيقتها ، وإنما التأويل في مادة الخصوص بحملها على معنى التمييز أو بتضمينه لها ، والضمير للشرائع ( قوله أحكاما وحجاجا ) تمييز من النسبة ، والمراد بالأول النسب التامة المأخوذة من الشرائع مطلقا أو المتعلقة بخصوص كيفية العمل وبالثاني أدلتها مطلقا أو خصوص أدلة الفقه ( قوله وهداهم ) أي أرشدهم وأوصلهم ( قوله من تمهيد الأصول ) أي أصول الدين والفقه الإجمالية والتفصيلية أو المراد خصوص أصول الفقه أي أدلته التفصيلية ، ويرجحه عطف الفروع عليها المراد بها الفقه ( قوله لتستنتج منها ) أي لتخرج من الأربعة المذكورة بالنظر والفكر ( قوله العويصات ) جمع عويص على وزن أمير أي المسائل الصعبة ( قوله معجزة إلخ ) لعله منصوب بنزع الخافض أي الباء ؛ لأنه وإن كان سماعيا لكنه ملحق بالقياسي في كلام المؤلفين ، وسهله رعاية القافية ( قوله فطمعوا ) أي منعوا ودفعوا ( قوله القويم ) أي المستقيم ( قوله من مقاصده أو مباديه ) لعل المراد بمقاصد الدين مسائل علمي التوحيد والفقه وبمباديه أدلتهما ( قوله أو اعوجاجا ) إنما أخره عن الشبهة للسجع ، وإلا فحق الترقي التقديم ( قوله هطالا ثجاجا ) كشداد يقال هطل المطر إذا نزل متتابعا متفرقا عظيم القطر ، وثج الماء إذا سال كذا في القاموس والمراد بهما هنا المبالغة في الكم والكيف ( قوله طال ما ) ما هنا زائدة كافة عن عمل الرفع فحقها أن يكتب متصلا بالفعل كما في نسخة الطبع ( قوله القطب ) أي المشبع علما وعملا ( قوله الرباني ) أي المتأله [ ص: 3 ] والعارف بالله تعالى ا هـ مختار وقال شيخ الإسلام في شرح الرسالة القشيرية أي المنسوب إلى الرب أي المالك ا هـ فقول ابن حجر في شرح الأربعين هو من أفيضت عليه المعارف الإلهية فعرف ربه وربى الناس بعلمه ا هـ مبين بمراد بالنسبة إلى الرب ( قوله والعالم الصمداني ) أي المنسوب إلى الصمد أي المقصود في الحوائج قاله شيخ الإسلام في الكتاب المذكور ، ولعل المراد بالنسبة هنا أنه يعتمد في أموره كلها على الله بحيث لا يلتجئ إلى غيره تعالى في أمر ما ع ش .
( قوله النواوي ) نسبة إلى نوى قرية من قرى الشام والألف مزيدة في النسبة ( قوله ثاني عشر محرم سنة ثمان وخمسين إلخ ) ونقل عنه أنه فرغ من تسويد هذا الشرح عشية خميس ليلة السابع والعشرين من ذي القعدة سنة ثمان وخمسين وتسعمائة ا هـ وقال الخطيب الشربيني إنه شرع في شرح المنهاج عام تسعمائة وتسعة وخمسين ا هـ ونقل عنه أنه فرغ منه سابع عشر جمادى الآخرة عام ثلاثة وستين وتسعمائة ا هـ ، وقال الجمال الرملي إنه شرع في شرح المنهاج في شهر ذي القعدة سنة ثلاث وستين وتسعمائة ا هـ ونقل عنه أنه فرغ منه ليلة الجمعة تاسع عشر جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعين وتسعمائة ا هـ وعلم من ذلك أن تأليف النهاية متأخر عن تأليف التحفة والمغني كما نص عليه ع ش وأن تأليف المغني متأخر عن تأليف التحفة ( قوله ملخصا ) حال من فاعل عزمت أي مريد للتلخيص والتنقية ( قوله وما فيه ) أي في الدليل ( قوله والتعليل ) أي الاعتراض عطف على الخلاف ( قوله وعلى عزو المقالات إلخ ) عطف على قوله على الدليل ( قوله والأبحاث ) يظهر أنه عطف تفسير ( قوله لتعطل الهمم ) أي ضعفها علة للطي ( قوله عن التحقيقات ) أي عن تحصيل أدلة الأحكام .
( قوله باطنا بها ) أي الأدلة ( قوله أو مشيرا ) عطف على طاويا أو ملخصا ( قوله إلى المقابل ) أي مقابل المعتمد ( قوله أو علته ) أي القياس ، ويحتمل أن المراد دليل المقابل مطلقا وهو أفيد لكن كان ينبغي عليه العطف بالواو ، ولأن عطف العام مخصوص به كما قرر في محله ( قوله أصله ) أي القياس والإضافة بمعنى في ( قوله لقلته ) أي ما تميز به الأصل ( قوله في ذلك ) أي في خدمة المنهاج وشرحه على الوجه المذكور ، ( قوله والافتقار ) عطف تفسير ( قوله إليه ) متعلق بقوله ماذا ( قوله فيه ) أي في تأليف ذلك الشرح ( قوله بما قصرت في خدمه ) جمع خدمة ككسرة وكسر والضمير للمنهاج ، ويحتمل أنه لله تعالى أي بمكافأة التقصير الصادر مني في خدم المنهاج ( قوله أنه الجواد إلخ ) علة للاستعانة وما عطف عليها ( قوله وسميته ) أي الشرح المستحضر في الذهن ، إذ ظاهر صنيعه أن الخطبة سابقة على التأليف ( قوله بشرح المنهاج ) متعلق بالمحتاج في الأصل ، وأما بعد العلمية فالجار والمجرور جزء من العلم فلا يتعلق بشيء