( فرع ) لا يصح تعليق الطلاق المعلق خلافا لما وقع - للعلم - البلقيني [ ص: 103 ] لوضوح أن ما علقه بالشرط يتعلق به وحده فلا يقبل شركة فيه ، ومن ثم قال بعض تلامذته : لو حكم به حاكم لم ينفذ ولو قال إن فعلت كذا طلقتك أو طلقتك إن فعلت كذا كان تعليقا لا وعدا فتطلق باليأس من التطليق [ ص: 104 ] فإن نوى أنها تطلق بنفس الفعل وقع عقبه أو أنه يطلقها عقبه وفعل وقع ، وإلا فلا نعم يظهر في إن أبرأتني طلقتك ما جرى عليه غير واحد أنه وعد ويفرق بأن مقابلة الطلاق بالإبراء مألوف شائع فحمل لفظه على ما هو المتبادر منه ، وهو الوعد بخلافه في غيره فإن قصد المنع أو الحث المقصود من الشرط غالبا يصرف اللفظ إليه ويمنعه من انصرافه للوعد المنافي لذلك غالبا ، ولو قال : إن خرجت حصل الطلاق لم يقع به شيء على ما أفتى به بعضهم زاعما أنه غير تعليق ، وفيه نظر بل الذي يتجه أن محله إن لم ينو به التعليق ، وإلا وقع بالخروج بل لو قيل : إنه صريح في التعليق باعتبار معناه المتبادر منه فلا يحتاج لنية لم يبعد .
ولو قال : علي الطلاق إن طلبت الطلاق طلقتك فإن قصد تعليق طلاقها بطلبها فطلبته فأبى طلقت ، وإن لم يقصد ذلك بل إنه يطلقها عقب طلبها فلم يفعل فكذلك أو بعد طلبها لم تطلق إلا باليأس ، ولو قال : هي طالق إن لم أو إلا أن أو بشرط أن أو على أن لا تتزوج بفلان طلقت ولغا ما شرطه ذكره ابن أبي الصيف والعامري والأزرق وغيرهم كعبد الله بن عجيل ونقله عن مشايخه وقاسه العامري على أنت طالق على أن لا تحتجبي عني وغيره على إن لم تصعدي السماء فأنت طالق بجامع استحالة البر إذ لا يمكنها التزوج به ، وهي زوجة وعند استحالته يقع حالا وقيل عند اليأس وخالفهم النور الأصبحي فأفتى بأنها لا تطلق إلا بفوات الصفة بموت الزوجة أو المحلوف عليه ، وعن الإمام أحمد بن موسى بن عجيل ما يوافقه فإنه أفتى في أنت طالق إن لم ترجعي لزوجك الأول بأنها لا تطلق رجعت إليه أم لا والأول أوجه زاد الأزرق وعليه متى تزوجت به لزمها للمعلق مهر المثل قياسا على ما في البحر .
وأقره ابن الرفعة أنه لو أوصى بإعتاق أمته بشرط أن لا تتزوج عتقت فإن تزوجت صح ، ولزمها قيمتها ، ولا يقال : هذه مملوكة ؛ لأن البضع مستحق له أيضا فإذا فوتته أي بفوات شرطه لزمها عوضه ، وهو مهر مثلها انتهى ، وفيه نظر ، والفرق واضح فإنه عهد تأثير شروط السيد فيما بعد العتق ك أن تخدم ولده أو فلانا سنة بخلاف شروط الزوج ، وسره أن العتق إحسان فمكن من اشتراط ما ينفعه بعده ، ولا كذلك الطلاق فتأمله ، ولو قال : إن كلمت رجلا وأطلق شمل المحارم كما نقل عن الأصحاب ، وقضية ما في الروضة في إن رأيت من أختي شيئا ، ولم تخبريني به من أنه يحمل على موجب الريبة أن يحمل ما هنا على الأجانب ، ومن ثم استشكل الأزرق الأول بأنه يعلم بالعادة أن المراد الأجنبي ، ولو قال : إن لم أخرج من هذه [ ص: 105 ] البلدة بر بوصوله لما يجوز القصر فيه ، وإن رجع حالا نعم قال القاضي في إن لم أخرج من مروروذ لا بد من خروجه من جميع القرى المضافة إليها انتهى ، وكأنه ؛ لأن مروروذ اسم للجميع ، ويقع من كثيرين لا علي الطلاق ما تفعلين كذا وعرفهم أنهم يستعملونه لتأكيد النفي فلا داخلة تقديرا على فعل يفسره الفعل المذكور أي لا تفعلينه علي الطلاق ما تفعلينه فيقع بفعلها له ، وإن لم يقصد ذلك التأكيد عملا بمدلول اللفظ في عرفهم
حاشية ابن قاسم
[ ص: 103 ] قوله : كان تعليقا لا وعدا ) محصل ما في الدميري عن السبكي أنه عند الإطلاق محمول على الوعد في الصورة الأولى وعلى التعليق في الصورة الثانية ، ولا يخفى إشكال الفرق بينهما مع أن كلا منهما في حيز الشرط ؛ لأن المتقدم أيضا شرط ، أو دليله فله حكمه ( قوله : فتطلق باليأس من التطليق ) ينبغي مراجعة هذه المسألة فإن كانت منقولة عمن يعتمد أخذ بها مع إشكالها ، وإلا فالوجه خلاف ما ذكره فيها ؛ إذ ليس في هذا التصوير ما يقتضي الوقوع باليأس ، وأيضا فقوله : فإن نوى أنها تطلق إلخ إن كان تفصيلا لما قبله فلا مطابقة بينهما ؛ لأن هذا التفصيل ليس فيه اعتبار الطلاق باليأس مثلا مع أنه لا طلاق مطلقا في بعض صوره ، وإن كان مباينا لما قبله اقتضى حمل قوله : طلقتك فيما قبله على معنى مغاير لجميع ما اعتبر فيه في هذا التفصيل ، وذلك يقتضي الوقوع باليأس ، وهو غير متصور مطلقا ، ولو كان التصوير هكذا علي الطلاق إن فعلت كذا طلقتك استقام مع أنه يتكرر حينئذ مع ما يأتي [ ص: 104 ]
( قوله : فإن نوى إلخ ) إن كان تفصيلا لما قبله فلينظر قوله : فتطلق باليأس ؛ إذ لم يذكر فيه حالة تقتضي الطلاق باليأس ، وإن لم يكن تفصيلا فلينظر قوله : فتطلق باليأس ؛ إذ لم تظهر قرينة على ما قبله
( قوله : فإن قصد إلخ ) كأن الفرق أن التقدير عند القصد علي الطلاق إن طلبت الطلاق أوقعته عليك بالحلف على تعليق إيقاعه بالطلب ، وعند عدم القصد علي الطلاق لأطلقنك عقب الطلب أو بعده ( قوله : إذ لا يمكنها التزوج به ) هذا يظهر حتى في الصورة الأولى لكن تقدم أن ما به البر لا يختص بحال النكاح
حاشية الشرواني
( قوله : لوضوح إلخ ) علة لعدم الصحة
( قوله : ومن ثم ) أي لوضوح ذلك
( قوله : لو حكم به ) أي بالصحة
( قوله : ولو قال إلخ ) أي : ولم ينو شيئا أخذا من قوله فإن نوى إلخ
( قوله : كان تعليقا ) أي لإنشاء الطلاق بلا فور على الفعل كما يفيده قوله فتطلق باليأس إلخ
( قوله : فتطلق باليأس ) ينبغي مراجعة هذه المسألة فإن كانت منقولة عمن يعتمد ، أخذ بها مع إشكالها ، وإلا فالوجه خلاف ما ذكره فيها إذ ليس في هذا التصوير ما يقتضي الوقوع باليأس وأيضا فقوله فإن نوى أنها إلخ إن كان تفصيلا لما قبله فلا مطابقة بينهما ؛ لأن هذا التفصيل ليس فيه اعتبار الطلاق باليأس مطلقا مع أنه لا طلاق مطلقا في بعض صوره ، وإن كان مباينا لما قبله اقتضى حمل قوله طلقتك فيما قبله على معنى مغاير لجميع ما اعتبر فيه في هذا التفصيل وذلك يقتضي الوقوع باليأس ، وهو غير متصور مطلقا ولو كان التصوير هكذا علي الطلاق إن فعلت كذلك طلقتك استقام مع أنه يتكرر حينئذ مع ما يأتي سم ، وقوله : فالوجه خلاف ما ذكره لم يتعرض لذلك الخلاف ، ولا بعد أن يقال إن قصد بقوله طلقتك إنشاء الطلاق وقع بفعل المعلق عليه أو الوعد فهو بالخيار بين تنجيزه وعدمه ، وإن أطلق فهو محل نظر ؛ لأنه تعارض هنا أمران كون مقتضى اللفظ وظاهره الوعد ، وكون قصد الحث أو المنع يقتضي الحمل على الإنشاء ، وقد يرجح الأول بأصل بقاء العصمة ، والله أعلم ثم ظهر توجيه لعبارة الشارح بما يدفع اعتراض المحشي حاصله أن قوله : فتطلق باليأس إلخ تفريع على القول بأنه وعد الذي حكاه غير مرتض به .
وقوله : فإن نوى إلخ تفصيل لما اختاره من أنه تعليق وحاصله أنه تعليق لإنشاء الطلاق أو للوعد به كما قرر ، غايته أن كلامه غير مفصح عن حالة الإطلاق ا هـ سيد عمر أقول لا يخفى بعد هذا التوجيه فإن قول الشارح نعم يظهر إلخ ، وقوله : ويفرق إلخ كالصريح أو صريح في أن أول كلام الشارح مفروض عند الإطلاق وأن قوله فإن نوى إلخ مقابل له بل لا يصح تفريع قوله : فتطلق باليأس إلخ على القول بأنه وعد ؛ إذ الوعد لا يلزم الوفاء به فالتوجيه الصحيح الدافع للاعتراض أن يحمل أول كلام الشارح على الإطلاق ، ويجعل قوله : فتطلق باليأس إلخ مفرعا على التعليق ، وقوله : فإن نوى إلخ مقابلا لما قبله من الإطلاق ، ويدفع قول سم ، وهو غير متصور مطلقا بأن المعنى ولو قال إن فعلت إلخ ، ولم ينو شيئا كان تعليقا لإنشاء الطلاق بلا فور على الفعل فتطلق باليأس من التطليق فإن نوى إلخ ، وهذا لا غبار عليه والله أعلم ثم رأيت قال عبد الله باقشير ما نصه قوله فتطلق باليأس مفرع على تعليقا أي حيث أطلق ، وقوله : فإن نوى أي بأن فصل تفريع عليه أيضا ، وإلا فلا وجه لمن وعد بوقوع طلاقه عند اليأس فما عزي للسيد فيه نظر ا هـ وقال ع ش ما نصه وحاصله أنه إن قصد بذلك التعليق على مجرد الفعل طلقت بمجرد الدخول ، وإن قصد تعليق التطليق على الفعل ، ولم يقصد فورا لم تطلق إلا باليأس من التطليق ، وإن قصد الوعد عمل به فإن طلقت بعد الفعل وقع [ ص: 104 ] وإلا فلا ا هـ
( قوله : فإن نوى إلخ ) مقابل للإطلاق المحمول عليه ما قبله كما مر
( قوله : وفعل ) أي طلق
( قوله : : وإلا ) أي : وإن لم يطلق
( قوله : نعم يظهر إلخ ) استدراك على حمل قوله المذكور عند الإطلاق على التعليق لا الوعد
( قوله : ما جرى إلخ ) فاعل يظهر
( قوله : لفظه ) أي اللفظ المذكور للزوج
( قوله : بخلافه ) أي لفظ الزوج في غيره أي غير الإبراء
( قوله : فإن قصد المنع إلخ ) علة لقوله بخلافه في غيره
( قوله : غالبا ) لإخراج قصد مجرد التعليق ( قوله يصرف اللفظ إلخ ) خبر إن
( قوله : إليه ) أي المنع أو الحث
( قوله : المنافي ) أي الوعد لذلك أي قصد المنع أو الحث
( قوله : إن محله ) أي عدم الوقوع
( قوله : فلا يحتاج ) أي الوقوع بالخروج لنيته أي التعليق
( قوله : فإن قصد إلخ ) كأن الفرق أن التقدير عند القصد علي الطلاق إن طلبت الطلاق أوقعته عليك فالحلف على تعليق إيقاعه بالطلب وعند عدم القصد علي الطلاق لأطلقنك عقب الطلب أو بعده ا هـ سم
( قوله : فأبى ) قضية أول كلامه أنه ليس بقيد
( قوله : طلقت ) أي حالا
( قوله : وإن لم يقصد ذلك إلخ ) أي : وإن لم يقصد بلفظه المذكور تعليق طلاقها على طلبها له لم يقع بمجرد طلبها ثم إن قصد أنه يطلقها بعد طلبها فورا ومضى بعد طلبها زمن أمكنه أن يطلقها فيه ، ولم يطلقها طلقت ، وإن لم يقصد فورا لم تطلق عند يأسه من طلاقها انتهى فتاوى الشهاب الرملي ا هـ سيد عمر
( قوله : فكذلك ) أي طلقت في الحال ( قوله باليأس ) أي من التطليق بالموت أو نحو الجنون أو الانفساخ بقيدهما فيقع الطلاق قبيل الموت أو نحو الجنون أو الانفساخ بحيث لا يبقى زمن يمكنه أن يطلقها فيه
( قوله : طلقت ) أي في الحال
( قوله : وغيره ) أي وقاسمه غير العامري
( قوله : إذ لا يمكنها التزوج إلخ ) هذا يظهر حتى في الصورة الأولى أي : إن لم تتزوج بفلان لكن تقدم أن ما به البر لا يختص بحال النكاح ا هـ سم
( قوله : وقيل عند اليأس ) يظهر أنه موافق لما يحكيه عن النور الأصبحي فلم لم يقل ووافقه النور إلخ
( قوله : إلا بفوات الصفة ) وهي التزوج بفلان
( قوله : أو المحلوف عليه ) وهو فلان
( قوله : وعن الإمام إلخ ) أي نقل عنه
( قوله : والأول أوجه ) أي ما قاله ابن أبي الصيف ومن معه من الوقوع حالا ولغوية الشرط ( قوله وعليه ) أي الأول
( قوله : إنه إلخ ) بيان لما في البحر إلخ
( قوله : ولزمها إلخ ) أي لوارث الموصي
( قوله : ولا يقال ) أي في الفرق بينهما
( قوله لأن البضع إلخ ) علة لنفي القول وعدم صحته
( قوله : مستحق له ) أي للزوج
( قوله : أيضا ) أي كما أن الأمة مستحقة لسيدها
( قوله : فإذا فوتته ) أي الزوجة البضع بالتزوج بفلان
( قوله : بخلاف شروط الزوج ) أي فلا تؤثر فيما بعد الطلاق
( قوله : اسم للجميع ) أي للبلد والقرى المنسوبة إليها لا لخصوص البلد ( قوله ويقع من كثير ) إلى قوله : وإن لم يقصد نقله النهاية عن إفتاء والده وأقره
( قوله : عملا بمدلول اللفظ إلخ ) يؤخذ من هذا التوجيه أن ما ذكر عند الإطلاق فإن قصد أنها لا يقع عليها الطلاق إن فعلت لم يقع عليه شيء بفعلها ، ويقبل ذلك منه ظاهرا لاحتمال اللفظ لما ذكره ا هـ ع ش .