( ولا قضاء على الكافر ) إذا أسلم ترغيبا له في الإسلام ولقوله تعالى { قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } ( إلا المرتد ) بالجر كذا اقتصر عليه غير واحد ولعله لاقتصار ضبط المصنف عليه ، أو لكونه الأفصح فيلزمه قضاء ما فاته زمن الردة حتى زمن جنونه ، أو إغمائه ، أو سكره فيها ولو بلا تعد تغليظا عليه بخلاف زمن حيضها ونفاسها ووقع في المجموع ما يخالفه وهو سبق قلم ؛ لأن إسقاطها عنها عزيمة فلم تؤثر فيها الردة [ ص: 448 ] وعنه رخصة فأثرت فيها إذ ليس المرتد من أهلها ونظر فيه الإمام بأنه لم يعص بالجنون فمقارنة الردة له كمقارنة المعصية في السفر له وجوابه ما تقرر أن الردة الموجبة للقضاء مقارنة للجنون فلم يؤثر فيها تغليظا عليه بخلاف السفر فإنه لم يقترن به مانع للقصر أصلا
فإن قلت لم وجب القضاء مع الجنون المقارن لها تغليظا ومنع الجنون صحة إقراره فلم ينظر للتغليظ عليه لأجلها وأوجب السكر الأول ولم يمنع الثاني تغليظا فيهما مع أنها أفحش منه قلت ؛ لأنها ليس فيها جناية إلا على حقوق الله تعالى فاقتضت التغليظ فيها فحسب وهو فيه جناية على الحقين فاقتضى التغليظ عليه فيهما فتأمله
حاشية ابن قاسم
( قوله : ولا قضاء على الكافر ) في فتاوى السيوطي مسألة الكافر إذا أسلم وأراد أن يقضي ما فاته في زمن الكفر من صلاة وصوم وزكاة هل له ذلك وهل ثبت أن أحدا من الصحابة فعل ذلك حين أسلم الجواب نعم له ذلك وذلك مأخوذ من كلام الأصحاب إجمالا وتفصيلا ، ثم أطال جدا في بيان ذلك وقال لا يمكن القول بالتحريم ولا بالكراهة وفرق بينه وبين الحائض بأن ترك الصلاة للحائض عزيمة وبسبب ليست متعدية به ، والقضاء لها بدعة وقد انعقد الإجماع على عدم وجوب الصلاة عليها وترك الصلاة للكافر بسبب هو متعد به وإسقاط الصلاة عنه من باب الرخصة مع قول الأكثرين بوجوبها عليه حال الكفر وعقوبته عليها في الآخرة ا هـ لكن في شرح م ر الجزم بعدم الانعقاد ووجهه في درسه بأن قضاءه لا يطلب وجوبا ولا ندبا ؛ لأنه ينفره ، والأصل فيما لم يطلب أن لا ينعقد
( قوله : ترغيبا له في الإسلام ) قضية هذه العلة أنه لا يجب ولا يسن وهل يصح نظرا ؛ لأنه كان مخاطبا به في الجملة أولا ؛ لأنه بعد الإسلام غير مطلوب مطلقا على ما تقرر ، والعبادة إذا لم تطلب الأصل أن لا تصح فيه نظر وعلى الثاني فيفارق صحة قضاء الحائض بناء على صحته على قول كراهته بأنها من أهل خطاب في الجملة ( قوله : حتى زمن جنونه ) لو أسلم أحد أصوله حال جنونه حكم بإسلامه وسقط القضاء من حينئذ ؛ لأنه من حينئذ مجنون مسلم ( قوله : حيضها ونفاسها ) أي الواقعان في ردتها ( قوله : عنها ) أي : [ ص: 448 ] الحائض ( قوله : وعنه رخصة ) أي : وإسقاطها عنه أي عن المجنون ، أو المغمى عليه ، أو السكران أن المفهوم من قوله حتى زمن جنونه إلخ وقوله ولو بلا تعد يفيد دخول غير المتعدي ؛ لأنه غير ساقط عنه فليتأمل
( قوله : لم يعص ) يفيد أن كلامه في جنون لا تعدي به لكن قول الشارح ولو بلا تعد يقتضي فرض الكلام في الأعم ففيه ما فيه ( قوله : مقارنة للجنون ) قد يقال غايته اجتماع مقتض ومانع فلم قدم الأول إلا أن يقال لقوته باقتضائه التغليظ ، أو بتقدمه إلا أنه قد يرد على هذا ما لو شرع في السفر بعد تلبسه بالمعصية ويجاب بالفرق بما علم من الأول ( قوله : بخلاف السفر ) قد يقال الفرق غير موجه ؛ لأن حاصل النظر أن مقارنة المعصية للسفر كما لم تمنع ترتب مقتضاه عليه وهو جواز الترخص فهلا كان مقارنة الردة للجنون كذلك أي غير مانعة من ترتب أثره وهو سقوط القضاء عليه وحاصله لم جعلتم مقارنة الردة مؤثرا دون مقارنة المعصية للسفر وظاهر أن هذا لا يندفع بدعوى أن المعصية المقارنة للسفر غير مانعة للقصر أي غير مانعة من ترتب أثر السفر عليه كما هو حاصل هذا الفرق ويجاب بأن المراد الفرق بأن الردة تنافي التخفيف ( فرع )
الوجه فيمن لم تبلغه الدعوة ، ثم بلغته وجوب قضاء ما فاته قبل بلوغها وفيمن خلق أعمى أصم أخرس أنه غير مكلف وأنه لو ردت له حواسه لم يجب قضاء ما فاته قبل الرد ( قوله : ومنع الجنون ) إن عم منعه قوي السؤال وإن خص بغير المتعدي ظهر الفرق بينه وبين السكر ( قوله : وأوجب السكر ) أي : بتعد ، ثم قوة عبارته تدل على أن كلامه في سكر منفصل عن الردة إلا أن الحكم ، والفرق الذي ذكره صالحان للمتصل بها أيضا
حاشية الشرواني
( قوله : إذا أسلم ) إلى قوله ونظر في المغني إلا قوله لاقتصار إلى لكونه قول المتن ( ولا قضاء على الكفار ) أي كغيرها من العبادات ولو قضاها لم تنعقد نهاية ونقل سم عن إفتاء السيوطي صحته وقال الكردي وهو أي الانعقاد التحقيق إن شاء الله تعالى ا هـ عبارة شيخنا وكما لا يجب قضاؤها لا يسن ، بل لا ينعقد على معتمد الرملي وجزم غيره بالانعقاد واستوجهه سم وعلى الأول فيفرق بينه وبين الحائض ، والنفساء بأنهما أهل للعبادة في الجملة ا هـ
( قوله : ترغيبا له في الإسلام ) ولو أسلم أثيب على ما فعله من القرب التي لا تحتاج إلى نية كصدقة وصلة وعتق قاله في المجموع نهاية ومغني قال ع ش قوله م ر ولو أسلم إلخ مفهومه أنه لو لم يسلم لا يثاب على شيء منها في الآخرة لكن يجوز أن الله تعالى يعوضه عنها في الدنيا مالا ، أو ولدا ، أو غيرهما ا هـ .
وفي البصري مثله ( قوله : إلا المرتد ) وليس مثل المرتد المنتقل من دين غير الإسلام إلى دين آخر ، بل حكمه حكم الكافر الأصلي فلا تجب عليه الصلاة أداء ولا قضاء إذا أسلم شيخنا و ع ش ( قوله : بالجر ) أي : على البدل نهاية ( قوله : أو لكونه الأفصح ) أي : على مذهب البصريين من أن الكلام المستثنى منه إذا كان تاما غير موجب كقوله تعالى { ما فعلوه إلا قليل منهم } فالأرجح اتباع المستثنى للمستثنى منه ويجوز النصب مغني ونهاية
( قوله : حتى زمن جنونه ) أي : الخالي من الحيض ونحوه ع ش ولو أسلم أحد أصوله حال جنونه حكم بإسلامه وسقط القضاء من حينئذ ؛ لأنه من حينئذ مجنون مسلم سم وقوله وسقط القضاء من حينئذ أي حيث لم يكن متعديا شيخنا ( قوله : بخلاف زمن حيضها ونفاسها ) أي الواقعين في ردتها سم ( قوله : ما يخالفه ) أي : من قضاء الحائض المرتدة زمن الجنون نهاية ومغني ( قوله : وهو سبق قلم ) أجاب عنه بعضهم بأن المراد بالحائض التي بلغت سن الحيض ولم تحض بالفعل وهو وإن كان بعيدا أولى من نسبته إلى السهو بجيرمي وشيخنا ( قوله : ؛ لأن إلخ ) تعليل لقوله بخلاف زمن حيضها إلخ وبيان للفرق بين زمن نحو الحيض وزمن نحو الجنون ( قوله : إسقاطها عنها ) أي : إسقاط الصلاة عن نحو الحائض سم ( قوله : عزيمة ) أي : ؛ لأنها انتقلت من [ ص: 448 ] وجوب الفعل إلى وجوب الترك ولا يشكل بكون أكل المضطر للميتة رخصة مع أنه انتقل من وجوب ترك الأكل إلى وجوب فعله ؛ لأن الأكل وإن كان واجبا تميل إليه النفس بخلاف ترك الصلاة فلا تميل إليه النفس غالبا قاله شيخنا وفي البجيرمي بعد ذكر نحوه عن ع ش ما نصه
والحق أن الحائض ، والنفساء انتقلتا إلى سهولة فحينئذ فوجه كونه عزيمة أن الحكم تغير في حقهما لعذر مانع من الفعل وشرط العذر المأخوذ في تعريف الرخصة أن لا يكون مانعا من الفعل كما يستفاد كل ذلك من المحلي على جمع الجوامع ا هـ .
( قوله : وعنه ) أي وإسقاطها عن نحو المجنون سم ( قوله : رخصة ) أي : ؛ لأنه انتقل من وجوب الفعل إلى جواز الترك شيخنا وقال البجيرمي المراد بالرخصة في حق المجنون أي ونحوه معناه اللغوي وهو السهولة ؛ لأنه ليس مخاطبا بترك الصلاة زمن جنونه ا هـ .
( قوله : ونظر فيه ) في لزوم القضاء على المجنون المرتد ( قوله : لم يعص إلخ ) يفيد أن كلامه في جنون لا تعدي به لكن قول الشارح ولو بلا تعد يقتضي فرض الكلام في الأعم ففيه ما فيه سم ( قوله : له ) أي للمسافر سفر قصر
( قوله : وجوابه ما تقرر إلخ ) فيه شبه مصادرة وبتقدير تسليم أنها موجبة للقضاء في زمن الجنون فيه تقديم المقتضي على المانع فالأولى أن يقتصر على أن ما قاله الإمام هو القياس لكن خرجنا عنه لغلظ الردة فكان وجودها مانعا من التخفيف وإن لم تكن المعصية في السبب المبيح بصري وفي سم نحوه ( قوله : مقارنة للجنون إلخ ) لعل الأولى سابقة على الجنون فجعل تابعا لها بخلاف المعصية في السفر فإنها بالعكس فجعلت تابعا له ( قوله : لها ) أي للردة ( قوله : ومنع الجنون إلخ ) إن عم منعه قوي السؤال وإن خص بغير المتعدي ظهر الفرق بينه وبين السكر سم ( قوله : عليه لأجلها ) أي : على المرتد المجنون لأجل الردة ( قوله : وأوجب السكر ) أي : بتعد ، ثم قوة عبارته تدل على أن كلامه في سكر منفصل عن الردة إلا أن الحكم ، والفرق الذي ذكره صالحان للمتصل بها أيضا سم
( قوله : الأول ) أي : القضاء وقوله الثاني أي صحة الإقرار وقوله مع أنها أي الردة وقوله منه أي من السكر