القول في ابتداء الخلق ، وما كان أوله واختلفوا
هل كان قبل خلق السماوات والأرض شيء مخلوق قبلهما ؟ فذهب طوائف من المتكلمين إلى أنه لم يكن قبلهما شيء ، وأنهما خلقتا من العدم المحض . وقال آخرون بل كان قبل السماوات والأرض مخلوقات أخر لقوله تعالى :
وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء . [ هود : 7 ] . الآية . وفي حديث عمران بن حصين كما
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509448كان الله ولم يكن قبله شيء ، وكان عرشه على الماء ، وكتب في الذكر كل شيء ، ثم خلق السماوات والأرض . وقال الإمام أحمد بسنده عن أبي رزين لقيط بن عامر العقيلي أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509449يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق السماوات والأرض ؟ قال : كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء ، ثم خلق عرشه على الماء . وهو الغمام الذي ذكره الله في قوله :
هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام .
قلت -ابن الأثير- هذا فيه نظر ، لأنه قد تقدم أن أول ما خلق الله تعالى القلم ، وقال له : اكتب . فجرى في تلك الساعة . ثم ذكر في أول هذا الفصل أن الله خلق بعد القلم ، وبعد أن جرى بما هو كائن سحابا ، ومن المعلوم أن الكتابة لا بد فيها من آلة يكتب بها ، وهو القلم ، ومن شيء يكتب فيه ، وهو الذي يعبر عنه ههنا باللوح المحفوظ . وكان ينبغي أن يذكر اللوح المحفوظ ثانيا للقلم ، والله أعلم .
ويحتمل أن يكون ترك ذكره لأنه معلوم من مفهوم اللفظ بطريقة الملازمة . واختلف هؤلاء في أيها خلق أولا ؟ فقال قائلون : خلق القلم قبل هذه الأشياء كلها ، وهذا هو اختيار ابن جرير وابن الجوزي وغيرهما قال ابن جرير : وبعد القلم السحاب الرقيق واحتجوا بالحديث الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي ، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509450إن أول ما خلق الله القلم ، ثم قال له اكتب فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة . لفظ أحمد ، وقال الترمذي : حسن صحيح غريب ، والذي عليه الجمهور فيما نقله الحافظ أبو العلاء الهمذاني وغيره ; أن العرش مخلوق قبل ذلك . وهذا هو الذي رواه ابن جرير من طريق الضحاك ، عن ابن عباس كما دل على ذلك الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509451كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة قال : وعرشه على الماء .
قالوا : فهذا التقدير هو كتابته بالقلم المقادير ، وقد دل هذا الحديث أن ذلك بعد خلق العرش ، فثبت تقدم خلق العرش على القلم الذي كتب به المقادير كما ذهب إلى ذلك الجماهير . ويحمل حديث القلم على أنه أول المخلوقات من هذا العالم ، ويؤيد هذا ما رواه البخاري عن عمران بن حصين قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509452قال أهل اليمن لرسول الله صلى الله عليه وسلم : جئناك لنتفقه في الدين ولنسألك عن أول هذا الأمر ؟ فقال : كان الله ولم يكن شيء قبله . وفي رواية : معه وفي رواية : غيره
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509453وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء وخلق السماوات والأرض . وفي لفظ
ثم خلق السماوات والأرض . فسألوه عن ابتداء خلق السماوات والأرض ، ولهذا قالوا جئناك نسألك عن أول هذا الأمر ، فأجابهم عما سألوا فقط ، ولهذا لم يخبرهم بخلق العرش كما أخبر به في حديث أبي رزين المتقدم . قال ابن جرير : وقال آخرون : بل خلق الله عز وجل الماء قبل العرش رواه السدي ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا :
إن الله كان عرشه على الماء ، ولم يخلق شيئا غير ما خلق قبل الماء ، وحكى ابن جرير ، عن محمد بن إسحاق أنه قال : أول ما خلق الله عز وجل النور والظلمة ، ثم ميز بينهما فجعل الظلمة ليلا أسود مظلما ، وجعل النور نهارا مضيئا مبصرا قال ابن جرير : وقد قيل إن الذي خلق ربنا بعد القلم الكرسي ، ثم خلق بعد الكرسي العرش ، ثم خلق بعد ذلك الهواء والظلمة ، ثم خلق الماء فوضع عرشه على الماء . والله سبحانه وتعالى أعلم وقول من قال : إن الماء خلق قبل العرش أولى بالصواب ؛ لحديث أبي رزين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد قيل : إن الماء كان على متن الريح حين خلق العرش ; قاله سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، فإنه كان كذلك فقد خلقا قبل العرش .