قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن صياد : ما ترى ؟ قال : أرى عرشا على الماء . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : اخسأ فلن تعدو قدرك . فعرف أن مادة مكاشفته التي كاشفه بها شيطانية مستمدة من إبليس الذي هو يشاهد عرشه على البحر ، ولهذا قال له اخسأ فلن تعدو قدرك . أي : لن تجاوز قيمتك الدنية الخسيسة الحقيرة .

والدليل على أن عرش إبليس على البحر الحديث الذي رواه الإمام أحمد بسنده عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن صائد : ما ترى ؟ قال : أرى عرشا على الماء . أو قال : على البحر حوله حيات . قال صلى الله عليه وسلم : ذاك عرش إبليس .

وروى الإمام أحمد بسنده عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون ، ولكن في التحريش بينهم . وروى الإمام مسلم بسنده عن جابر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الشيطان يضع عرشه على الماء ، ثم يبعث سراياه في الناس فأقربهم عنده منزلة أعظمهم عنده فتنة يجيء أحدهم فيقول : ما زلت بفلان حتى تركته وهو يقول كذا وكذا . فيقول إبليس : لا والله ، ما صنعت شيئا . ويجيء أحدهم فيقول : ما تركته حتى فرقت بينه وبين أهله . قال : فيقربه ويدنيه ويلتزمه ، ويقول : نعم أنت . يروى بفتح النون بمعنى : نعم أنت ذاك الذي تستحق الإكرام . وبكسرها أي : نعم منك . وقد استدل به بعض النحاة على جواز كون فاعل نعم مضمرا ، وهو قليل واختار شيخنا الحافظ أبو الحجاج الأول ، ورجحه ، ووجهه بما ذكرناه ، والله أعلم .

وقد أوردنا هذا الحديث عند قوله تعالى : ما يفرقون به بين المرء وزوجه [ البقرة : 102 ] . يعني : أن السحر المتلقى عن الشياطين من الإنس والجن يتوصل به إلى التفرقة بين المتآلفين غاية التآلف المتوادين المتحابين ، ولهذا يشكر إبليس سعي من كان السبب في ذلك ، فالذي ذمه الله يمدحه ، والذي يغضب الله يرضيه عليه لعنة الله ، وقد أنزل الله عز وجل سورتي المعوذتين مطردة لأنواع الشر وأسبابه وغاياته ، ولا سيما سورة : قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس . وثبت في الصحيحين ، عن أنس ، وفي صحيح البخاري ، عن صفية بنت حيي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم .

وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي وعن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم فإن ذكر الله خنس ، وإن نسي التقم قلبه فذلك الوسواس الخناس .

ولما كان ذكر الله مطردة للشيطان عن القلب كان فيه تذكار للناسي ، كما قال تعالى : واذكر ربك إذا نسيت [ الكهف : 24 ] . وقال فتى موسى : وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره [ الكهف : 63 ] . وقال تعالى : فأنساه الشيطان ذكر ربه [ يوسف : 42 ] . يعني الساقي لما قال له يوسف : اذكرني عند ربك . نسي الساقي أن يذكره لربه يعني مولاه الملك . وكان هذا النسيان من الشيطان ، فلبث يوسف في السجن بضع سنين ، ولهذا قال بعده : وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة [ يوسف : 45 ] . أي : تذكر قول يوسف له : اذكرني عند ربك . بعد مدة وقرئ : " بعد أمه " أي نسيان ، وهذا الذي قلنا من أن الناسي هو الساقي هو الصواب من القولين ،

بسنده عن عاصم سمعت أبا تميمة يحدث عن رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : عثر بالنبي صلى الله عليه وسلم حماره فقلت : تعس الشيطان . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تقل تعس الشيطان ، فإنك إذا قلت : تعس الشيطان تعاظم ، وقال : بقوتي صرعته . وإذا قلت : بسم الله . تصاغر حتى يصير مثل الذباب . تفرد به أحمد ، وهو إسناد جيد . وقال أحمد بسنده عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :إن أحدكم إذا كان في المسجد جاء الشيطان فأبس به كما يبس الرجل بدابته فإذا سكن له زنقه أو ألجمه . قال أبو هريرة : وأنتم ترون ذلك ; أما المزنوق فتراه مائلا كذا لا يذكر الله ، وأما الملجم ففاتح فاه لا يذكر الله عز وجل تفرد به أحمد . وقال الإمام أحمد بسنده عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : العين حق ويحضرها الشيطان وحسد ابن آدم . وقال الإمام أحمد بسنده عن ابن عباس قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني أحدث نفسي بالشيء ; لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أتكلم به . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : الله أكبر الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة . ورواه أبو داود ، والنسائي من حديث منصور ، زاد النسائي : والأعمش ، كلاهما عن ذر به .

الاستعاذة من الشيطان وقال البخاري بسنده عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يأتي الشيطان أحدكم فيقول : من خلق كذا ؟ من خلق كذا ؟ حتى يقول : من خلق ربك ؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ، ولينته . وقد قال الله تعالى : إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون [ الأعراف : 201 ] . وقال تعالى : وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون [ المؤمنون : 97 - 98 ] . وقال تعالى : وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم [ الأعراف : 200 ] . وقال تعالى : فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون [ النحل : 98 - 100 ] .

وروى الإمام أحمد ، وأهل السنن من حديث أبي المتوكل ، عن أبي سعيد قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ، ونفخه ، ونفثه . وتفسيره في الحديث : فهمزه الموتة ، وهو الخنق الذي هو الصرع ، ونفخه الكبر ، ونفثه الشعر . وثبت في الصحيحين ، عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء قال : أعوذ بالله من الخبث والخبائث . قال كثير من العلماء : استعاذ من ذكران الشياطين وإناثهم .

وروى الإمام أحمد بسنده عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أتى الغائط فليستتر ، فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيبا فليستدبره ، فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم ، من فعل فقد أحسن ، ومن لا ، فلا حرج . وقال البخاري بسنده عن عدي بن ثابت قال : قال : سليمان بن صرد استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ، ونحن عنده جلوس فأحدهما يسب صاحبه مغضبا قد احمر وجهه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد ، لو قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " . فقالوا للرجل : ألا تسمع ما يقول النبي صلى الله عليه وسلم ! فقال : إني لست بمجنون .

وقال الإمام أحمد بسنده عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يأكل أحدكم بشماله ولا يشرب بشماله ، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله .

وروى الإمام أحمد بسنده عن عائشة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : من أكل بشماله أكل معه الشيطان ، ومن شرب بشماله شرب معه الشيطان .

وقال الإمام أحمد بسنده أبي زياد الطحان سمعت أبا هريرة يقول : عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى رجلا يشرب قائما ، فقال له : " قه " . قال : لم ؟ قال : " أيسرك أن يشرب معك الهر ؟ " . قال : لا . قال : " فإنه قد شرب معك من هو شر منه الشيطان " . وقال الإمام أحمد بسنده عن أبي الزبير أنه سأل جابرا : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا دخل الرجل بيته فذكر اسم الله حين يدخل وحين يطعم ، قال الشيطان لا مبيت لكم ولا عشاء هاهنا . وإن دخل ولم يذكر اسم الله عند دخوله ، قال : أدركتم المبيت . وإن لم يذكر اسم الله عند طعامه ، قال : أدركتم المبيت والعشاء . قال : نعم . وقال البخاري بسنده عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا طلع حاجب الشمس فدعوا الصلاة حتى تبرز ، وإذا غاب حاجب الشمس فدعوا الصلاة حتى تغيب ، ولا تحينوا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها ، فإنها تطلع بين قرني الشيطان أو الشياطين . " لا أدري أي ذلك " قال هشام . وقال البخاري بسنده عن عن ابن عمر قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إلى المشرق ، فقال : ها إن الفتنة هاهنا ، إن الفتنة هاهنا ، من حيث يطلع قرن الشيطان .

مجلس الشيطان وفي السنن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يجلس بين الشمس والظل . وقال إنه مجلس الشيطان . وقد ذكروا في هذا معاني ; من أحسنها أنه لما كان الجلوس في مثل هذا الموضع فيه تشويه بالخلقة فيما يرى كان يحبه الشيطان ; لأن خلقته في نفسه مشوهة وهذا مستقر في الأذهان ، ولهذا قال تعالى : طلعها كأنه رءوس الشياطين [ الصافات : 65 ] . الصحيح أنهم الشياطين لا ضرب من الحيات كما زعمه من زعمه من المفسرين ، والله أعلم . فإن النفوس مغروز فيها قبح الشياطين ، وحسن خلق الملائكة ، وإن لم يشاهدوا ، ولهذا قال تعالى : طلعها كأنه رءوس الشياطين ، وقال النسوة لما شاهدن جمال يوسف : حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم [ يوسف : 45 ] . وقال البخاري بسنده عن جابر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا استجنح أو كان جنح الليل فكفوا صبيانكم فإن الشياطين تنتشر حينئذ فإذا ذهب ساعة من العشاء فخلوهم ، وأغلق بابك واذكر اسم الله ، وأطفئ مصباحك واذكر اسم الله ، وأوك سقاءك واذكر اسم الله ، وخمر إناءك واذكر اسم الله ، ولو تعرض عليه شيئا .

وقال الإمام أحمد بسنده عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أغلقوا أبوابكم ، وخمروا آنيتكم ، وأوكوا أسقيتكم ، وأطفئوا سرجكم فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا ، ولا يكشف غطاء ، ولا يحل وكاء ، وإن الفويسقة تضرم البيت على أهله . يعني الفأرة . وقال البخاري بسنده عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال : اللهم جنبنا الشيطان ، وجنب الشيطان ما رزقتني . فإن كان بينهما ولد لم يضره الشيطان ، ولم يسلط عليه . وقال البخاري بسنده عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد ; يضرب على كل عقدة مكانها ، عليك ليل طويل فارقد . فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة ، فإن توضأ انحلت عقدة ، فإن صلى انحلت عقده كلها ، فأصبح نشيطا طيب النفس ، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان . وقال البخاري بسنده عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا استيقظ أحدكم من منامه فتوضأ فليستنثر ثلاثا ، فإن الشيطان يبيت على خيشومه . وقال البخاري بسنده عن عبد الله قال : ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل نام ليله حتى أصبح . قال : ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه " أو قال : " في أذنه .

بسنده عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط ، فإذا قضي أقبل ، فإذا ثوب بها أدبر ، فإذا قضي أقبل حتى يخطر بين الإنسان وقلبه ، فيقول : اذكر كذا وكذا . حتى لا يدري أثلاثا صلى أم أربعا ؟ فإذا لم يدر أثلاثا صلى أم أربعا ، سجد سجدتي السهو . وقال أحمد بسنده عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : راصوا صفوفكم ، وقاربوا بينها ، وحاذوا بين الأعناق ، فوالذي نفس محمد بيده إني لأرى الشيطان يدخل من خلل الصف كأنه الحذف . وقال البخاري بسنده عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا مر بين يدي أحدكم شيء فليمنعه ، فإن أبى فليمنعه ، فإن أبى فليقاتله ، فإنما هو شيطان . وقال البخاري بسنده عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى صلاة فقال : إن الشيطان عرض لي فشد علي لقطع الصلاة علي ، فأمكنني الله منه .

ولفظ البخاري عند تفسير قوله تعالى إخبارا عن سليمان عليه السلام أنه قال : رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب [ ص : 35 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية