قال الله تعالى :
واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا ورفعناه مكانا عليا [ مريم : 56 - 57 ] . فإدريس عليه السلام قد أثنى الله عليه ، ووصفه بالنبوة والصديقية
وقوله تعالى : ورفعناه مكانا عليا . هو كما ثبت في الصحيحين في حديث الإسراء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به وهو في السماء الرابعة ، وعن هلال بن يساف قال : سأل ابن عباس كعبا ، وأنا حاضر ، فقال له : ما قول الله تعالى لإدريس :
ورفعناه مكانا عليا ؟ قال كعب : أما إدريس فإن الله أوحى إليه أني أرفع لك كل يوم مثل جميع عمل بني آدم لعله من أهل زمانه ، فأحب أن يزداد عملا ، فأتاه خليل له من الملائكة ، فقال : إن الله أوحى إلي كذا وكذا ، فكلم ملك الموت فليؤخرني حتى أزداد عملا فحمله بين جناحيه ، ثم صعد به إلى السماء ، فلما كان في السماء الرابعة تلقاه ملك الموت منحدرا فكلم ملك الموت في الذي كلمه فيه إدريس ، فقال : وأين إدريس ؟ قال : هو ذا على ظهري . فقال ملك الموت : فالعجب بعثت وقيل لي : اقبض روح إدريس في السماء الرابعة . فجعلت أقول : كيف أقبض روحه في السماء الرابعة وهو في الأرض ! فقبض روحه هناك ، فذلك قول الله عز وجل :
ورفعناه مكانا عليا . ورواه ابن أبي حاتم عند تفسيرها وعنده . فقال لذلك الملك : سل لي ملك الموت كم بقي من عمري ؟ فسأله وهو معه كم بقي من عمره ، فقال : لا أدري حتى أنظر . فنظر فقال : إنك لتسألني عن رجل ما بقي من عمره إلا طرفة عين . فنظر الملك إلى تحت جناحه إلى إدريس فإذا هو قد قبض وهو لا يشعر ، وهذا من الإسرائيليات ، وفي بعضه نكارة ، وقول ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله :
ورفعناه مكانا عليا . قال : إدريس رفع ولم يمت ، كما رفع عيسى . إن أراد أنه لم يمت إلى الآن ففي هذا نظر . وإن أراد أنه رفع حيا إلى السماء ، ثم قبض هناك فلا ينافي ما تقدم عن كعب الأحبار ، والله أعلم .
وقال العوفي : عن ابن عباس في قوله :
ورفعناه مكانا عليا . قال : رفع إلى السماء السادسة فمات بها . وهكذا قال الضحاك ، والحديث المتفق عليه من أنه في السماء الرابعة أصح ، وهو قول مجاهد ، وغير واحد . وقال الحسن البصري :
ورفعناه مكانا عليا . قال : إلى الجنة . وقال قائلون : رفع في حياة أبيه يرد بن مهلائيل ، والله أعلم . سن إدريس عليه السلام حين رفعه ورفع إدريس وهو ابن ثلاثمائة وخمس وستين سنة ، وأبوه حي ، فعاش أبوه بعد ارتفاعه مائة وخمسا وثلاثين سنة .
قال زيد بن أسلم : كان يصعد لإدريس من العمل مثل ما يصعد لجميع بني آدم ، فجاءه ملك فاستأذن الله في جلسة ، فأذن له فهبط إليه في صورة آدمي ، وكان يسجد ، فلما عرفه ، قال: إني أسألك حاجة ، قال: ما هي؟ قال: تذيقني الموت فلعلي أعلم ما شدته فأكون له أشد استعدادا ، فأوحى الله إليه أن اقبض روحه ساعة ثم أرسله ، ففعل ، ثم قال: كيف رأيت؟ قال: أشد ما بلغني عنه ، وإني أحب أن تريني النار ، قال: فحمله وأراه إياها ، قال: إني أحب أن تريني الجنة ، فأراه إياها ، فلما دخلها وطاف فيها ، قال له ملك الموت : اخرج ، فقال: والله لا أخرج حتى يكون الله تعالى يخرجني ، فبعث الله ملكا يحكم بينهما ، فقال: ما تقول يا ملك الموت ، فقص عليه ما جرى ، فقال: ما تقول يا إدريس ، قال: إن الله تعالى قال:
كل نفس ذائقة الموت وقد ذقته ، وقال:
وإن منكم إلا واردها وقد وردتها . وقال لأهل الجنة
وما هم منها بمخرجين . فو الله لا أخرج حتى يكون الله يخرجني ، فسمع هاتفا من فوقه يقول:
بإذني دخل وبأمري فعل ، فخل سبيله .
فإن قيل: أين هذه الآيات لإدريس ؟
فالجواب: إن الله أعلم بوجوب الورود ، وامتناع الخروج من الجنة وغير ذلك فقاله .