نوح عليه السلام إنما بعثه الله تعالى لما عبدت الأصنام والطواغيت ، وشرع الناس في الضلالة ، والكفر فبعثه الله رحمة للعباد فكان أول رسول بعث إلى أهل الأرض ، كما يقول له أهل الموقف يوم القيامة ، وكان قومه يقال لهم بنو راسب فيما ذكره ابن جرير وغيره .

مقدار سن نوح يوم بعث واختلفوا في مقدار سنه يوم بعث . فقيل : كان ابن خمسين سنة . وقيل : ابن ثلاثمائة وخمسين سنة . وقيل : ابن أربعمائة وثمانين سنة حكاها ابن جرير ، وعزا الثالث منها إلى ابن عباس .

وروي عن جماعة من السلف أنه كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على ملة الحق ، وأن الكفر بالله حدث في القرن الذي بعث فيه إليهم نوح ، فأرسله الله ، وهو أول نبي بعث بالإنذار ، والدعاء إلى التوحيد ، وهو قول ابن عباس ، وقتادة . خبر الملك المسمى بالضحاك خبر الملك المسمى بالضحاك

وهو بيوراسب . وهو الازدهاق الذي يسميه العرب الضحاك

وأهل اليمن يدعون أن الضحاك منهم ، وأنه أول الفراعنة ، وكان ملك مصر لما قدمها إبراهيم الخليل .

والفرس تذكر أنه منهم وتنسبه إليهم ، وأنه بيوراسب بن أرونداسب بن رينكار بن وندريشتك بن يارين بن فروال بن سيامك بن ميشى بن جيومرث ، ومنهم من ينسبه غير هذه النسبة وإنما ذكرنا خبر بيوراسب ههنا لأن بعضهم يزعم أن نوحا كان في زمانه ، وإنما أرسل إليه وإلى أهل مملكته . وكانوا قومه فدعاهم إلى الله تسعمائة وستة وخمسين سنة كلما مضى قرن اتبعهم قرن على ملة واحدة من الكفر حتى أنزل الله عليهم العذاب .

وكان الضحاك عظيم المملكة . ويقال: أن جما الملك زوج أخته من بعض أشراف أهل بيته ، وملكه على اليمن ، فولدت له الضحاك .

واليمن تدعيه وتزعم أنه من أنفسها ، وأنه الضحاك بن علوان بن عبيد بن عويج ، وأنه ملك على مصر أخاه سنان بن علوان ، ، وأنه ملك مصر [حين] قدمها الخليل .

والفرس تنسب الضحاك غير هذا النسب ، فترفع نسبه إلى جيومرث ، وقيل: كان كثير الإقامة ببابل .

وعامة المؤرخين ذكروا أنه ملك الأقاليم السبعة كلها ، وأنه كان ساحرا فاجرا .

قال هشام بن محمد : ملك الضحاك بعد جم - فيما يزعمون - ألف سنة ، وسار بالجور والقتل ، وكان أول من سن الصلب والقطع ، وأول من وضع العشور وضرب الدراهم ، وأول من تغنى وغني له .

ويقال أنه خرج في منكبه سلعتان كانتا تضربان عليه حتى يطليهما بدماغ إنسان ، وكان يقتل لذلك في كل يوم رجلين ، ويطلي سلعتيه بدماغيهما ، فإذا فعل ذلك سكن ما يجد .

قال الشيخ الإمام أبو الفرج : وهذا الضحاك هو الذي غناه حبيب بن أوس بقوله:


بل كان كالضحاك في سطواته بالعالمين وأنت أفريدون

وأفريدون من نسل جم الملك الذي كان [من] قبل الضحاك ، ثم قدم إلى منزل الضحاك فاحتوى عليه وأوثق الضحاك ، وسمي ذلك اليوم مهرجانا ، وعلا أفريدون سرير الملك . وكان عرض صدر الملك أفريدون أربعة أرماح .

والفرس تزعم أن الملك لم يكن إلا للبطن الذي منه أوشهنج وجم وطهمورث ، وأن الضحاك كان غاصبا ، غصب أهل الأرض بسحره [وخبثه] . وكان على منكبيه ناتئتان ، كل واحدة كرأس الثعبان ، فكان يسترهما ويزعم أنهما حيتان يقتضيانه الطعام ، وكانتا تتحركان إذا جاع ، وزعم أنه نبي .

وقيل: ما زال الناس معه في جهد حتى وثب رجل اسمه كابي من أهل أصبهان كان قد قتل له ابنين ، فجمع الناس لقتاله ، فهرب الضحاك وولي مكانه أفريدون فاحتوى على ملك الضحاك .

وملك أفريدون خمسمائة سنة ، وكان عمر الضحاك ألف سنة ، وملكه ستمائة سنة ، وقد زعم بعض نسابي الفرس أن أفريدون هو نوح الذي قهر الضحاك وغلبه وسلبه ملكه .

وقال قوم: أفريدون هو ذو القرنين . وقال بعضهم: هو سليمان بن داود ، وقال الفرس : أفريدون من ولد جم الملك ، وهو التاسع من ولده .

وكان أفريدون قد أمر بالعدل ورد المظالم ، وهو أول من نظر في النجوم والطب ، وأول من ذلل الفيلة وامتطاها وقاتل بها الأعداء ، واتخذ الأوز والحمام .

وكان شديد القوة حسن الصورة ، وعالج الدرياق ، وهو أول من سمي بكي ، وكان يقال له "كي أفريدون" وهي كلمة معناها التنزيه ، أي: هو منزه متصل بالروحانية .

وأنه ملك الأرض فقسمها بين أولاد له ثلاثة ، فوثب اثنان منهم على الثالث فقتلاه واقتسما الأرض فملكاها ثلاثمائة سنة . ثم بغى منهم طوج بن أفريدون ، ثم نشأ له أفراسياب بن ترك الذي تنسب إليه الترك من ولد طوج .

ويقال: الضحاك هو نمرود الخليل وأن الخليل ولد في زمانه ، وأنه صاحبه الذي أراد إحراقه . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية