فلما طال عليهم الحال هذا اجتمع ملؤهم ، واتفق رأيهم على أن يعقروا هذه الناقة ليستريحوا منها ، ويتوفر عليهم ماؤهم ، وزين لهم الشيطان أعمالهم قال الله تعالى :
فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين [ الأعراف : 77 ] . وكان الذي تولى قتلها منهم رئيسهم قدار بن سالف بن جندع ، وكان أحمر أزرق قصيرا ، وكان يقال : إنه ولد زانية ، ولد على فراش سالف . وهو من رجل يقال له : صيبان ، وكان فعله ذلك باتفاق جميعهم ؛ فلهذا نسب الفعل إلى جميعهم كلهم . وقيل أن
سبب قتل الناقة : إن قدار بن سالف جلس مع نفر يشربون الخمر فلم يقدروا على ماء يمزجون به خمرهم لأنه كان يوم شرب الناقة ، فحرض بعضهم بعضا على قتلها .
وذكر ابن جرير ، وغيره من علماء المفسرين : أن امرأتين من ثمود اسم إحداهما صدوف بنت المحيا بن زهير بن المحيا ، وكانت ذات حسب ومال ، وكانت تحت رجل من أسلم ، ففارقته فدعت ابن عم لها يقال له : مصدع بن مهرج بن المحيا ، وعرضت عليه نفسها إن هو
عقر الناقة ، واسم الأخرى عنيزة بنت غنيم بن مجلز ، وتكنى أم عثمان ، وكانت عجوزا كافرة ، لها بنات من زوجها ذؤاب بن عمرو أحد الرؤساء ، فعرضت بناتها الأربع على قدار بن سالف إن هو عقر الناقة فله أي بناتها شاء ، فانتدب هذان الشابان لعقرها ، وسعوا في قومهم بذلك فاستجاب لهم سبعة آخرون فصاروا تسعة ، وهم المذكورون في قوله تعالى :
وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون . وسعوا في بقية القبيلة ، وحسنوا لهم عقرها فأجابوهم إلى ذلك ، وطاوعوهم في ذلك فانطلقوا يرصدون الناقة ، فلما صدرت من وردها كمن لها مصدع فرماها بسهم فانتظم عظم ساقها ، وجاء النساء نساء القبيلة في قتلها ، وحسرن عن وجوههن ترغيبا لهم ، فابتدرهم قدار بن سالف فشد عليها بالسيف فكشف عن عرقوبها ، فخرت ساقطة إلى الأرض ، ورغت رغاة واحدة عظيمة ، تحذر ولدها ، ثم طعن في لبتها فنحرها ، وانطلق سقبها ، وهو فصيلها فصعد جبلا منيعا ، ورغا ثلاثا .
وعن معمر عمن سمع الحسن أنه قال : يا رب أين أمي ، ثم دخل في صخرة فغاب فيها ، ويقال : بل اتبعوه فعقروه أيضا قال الله تعالى :
فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر فكيف كان عذابي ونذر . وقال تعالى :
إذ انبعث أشقاها فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها . أي احذروها
فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ولا يخاف عقباها .
قال الإمام أحمد بسنده عن عبد الله بن زمعة قال :
خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الناقة ، وذكر الذي عقرها ، فقال : إذ انبعث أشقاها انبعث لها رجل عارم عزيز منيع في رهطه مثل أبي زمعة . أخرجاه من حديث هشام به . عارم أي شهم عزيز أي رئيس منيع أي مطاع في قومه .
وعن عمار بن ياسر قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي : ألا أحدثك بأشقى الناس . قال : بلى . قال : رجلان أحدهما أحيمر ثمود الذي عقر الناقة ، والذي يضربك يا علي على هذا - يعني قرنه - حتى تبتل منه هذه . يعني لحيته رواه ابن أبي حاتم . وقال تعالى :
فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين [ الأعراف : 77 ] . فجمعوا في كلامهم هذا بين كفر بليغ من وجوه ؛ منها أنهم خالفوا الله ورسوله في ارتكابهم
النهي الأكيد في عقر الناقة التي جعلها الله لهم آية ، ومنها أنهم استعجلوا وقوع العذاب بهم فاستحقوه من وجهين ؛ أحدهما : الشرط عليهم في قوله :
ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب . وفي آية " عظيم " . وفي الأخرى " أليم " . والكل حق . والثاني : استعجالهم على ذلك . ومنها أنهم كذبوا الرسول الذي قد قام الدليل القاطع على نبوته وصدقه ، وهم يعلمون ذلك علما جازما .