فلما تبين للملك عذر يوسف ورأى أمانته ، قال:
ائتوني به أستخلصه لنفسي [12: 54] فلما جاءه الرسول خرج معه ودعا لأهل السجن وكتب على بابه : هذا قبر الأحياء وبيت الأحزان وتجربة الأصدقاء وشماتة الأعداء .
ثم اغتسل ولبس ثيابه وقصد الملك ، فلما وصل إليه و
كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين . فقال يوسف :
اجعلني على خزائن الأرض . فاستعمله بعد سنة ولو لم يقل اجعلني على خزائن الأرض لاستعمله من ساعته ، فسلم خزائنه كلها بعد سنة وجعل القضاء إليه وحكمه نافذا ، فولاه عمل قطفير ، وعزل قطفير ، فهلك قطفير في تلك الأيام ، وزوج الملك يوسف امرأة قطفير ، فلما دخلت عليه قال: أليس هذا خيرا مما كنت تريدين ، فقالت: أيها الصادق لا تلمني فإني كنت امرأة حسناء في ملك ودنيا ، وكان صاحبي لا يأتي النساء ، وكنت فيما أعطاك ربك من الحسن فغلبتني نفسي ، فيزعمون أنه وجدها عذراء فأصابها ، فولدت له أفراييم وميشا ، فولد لأفراييم نون ، وولد لنون يوشع فتى موسى ، وولد لميشا موسى ، وهو نبي قبل موسى بن عمران . وقد روي في حقها غير هذا على ما سيأتي .
فلما ولي يوسف أمر الناس بالزرع فزرعوا ، فأمر بترك الزرع في سنبله ، ودخلت السنون المجدبة ، وقحط الناس وأجدبت بلاد فلسطين ، وباع يوسف الطعام بالدنانير والدراهم والحلي والجلل ، ثم باعهم في السنة الأخرى بالعبيد والإماء ، ثم باعهم بعد ذلك بالخيل والدواب ، ثم بالمواشي والبقر والطير ، ثم بالقرى والضياع والمنازل ، ثم باعهم بأنفسهم ، فلم يبق بمصر رجل ولا امرأة ولا صغير ولا كبير إلا صار في ملك يوسف .
عن عمر بن عبد الله القرشي ، قال: جاء سيل [بمصر] فحسر عن بيت من ذهب في أصل جبل عليه مصراعان ، وفيه امرأة عليها سبعة عقود وسبعة أسورة ، وإلى جانبها صخرة مكتوب فيها: أنا شادة بنت فلان الملك ، أصابتنا مجاعة على عهد يوسف ، فبذلت صاعا من درهم بصاع من طعام ، فلم أقدر عليه ، ثم بذلت صاعا من دنانير بصاع من طعام فلم أقدر عليه ، ثم بذلت صاعا من لؤلؤ بصاع من طعام فلم أقدر عليه ، فعمدت إلى اللؤلؤ فسحقته ثم شربته فزادني جوعا ، فمت جوعا ، فأيما امرأة طلبت الدنيا بعد فأماتها الله موتي؛ فإني إنما مت جوعا .