وكان من حديثه وسبب بلائه أن إبليس سمع تجاوب الملائكة بالصلاة على أيوب حين ذكره الله فحسده ، وسأل الله أن يسلطه عليه ليفتنه عن دينه ، فسلطه على ماله حسب ، فجمع إبليس عظماء أصحابه من العفاريتوقال علماء التفسير ، والتاريخ ، وغيرهم : كان أيوب رجلا كثير المال من سائر صنوفه وأنواعه من الأنعام والعبيد والمواشي والأراضي المتسعة بأرض البثنية من أرض حوران . وحكى ابن عساكر : أنها كلها كانت له ، وكان له أولاد وأهلون كثير ، فسلب من ذلك جميعه ، وابتلي في جسده بأنواع البلاء ، ولم يبق منه عضو سليم سوى قلبه ولسانه يذكر الله عز وجل بهما ، وهو في ذلك كله صابر محتسب ذاكر لله عز وجل في ليله ونهاره ، وصباحه ومسائه ، وطال مرضه حتى عافه الجليس ، وأوحش منه الأنيس ، وأخرج من بلده وألقي على مزبلة خارجها ، وانقطع عنه الناس ، ولم يبق أحد يحنو عليه سوى زوجته كانت ترعى له حقه ، وتعرف قديم إحسانه إليها وشفقته عليها ، فكانت تتردد إليه فتصلح من شأنه ، وتعينه على قضاء حاجته وتقوم بمصلحته ، وضعف حالها ، وقل مالها حتى كانت تخدم الناس بالأجر لتطعمه ، وتقوم بأوده رضي الله عنها وأرضاها وهي صابرة معه على ما حل بهما من فراق المال والولد ، وما يختص بها من المصيبة بالزوج ، وضيق ذات اليد ، وخدمة الناس بعد السعادة والنعمة والخدمة ، والحرمة ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أشد الناس بلاء الأنبياء ، ثم الصالحون ، ثم الأمثل فالأمثل ، يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه . ولم يزد هذا كله أيوب عليه السلام إلا صبرا واحتسابا ، وحمدا وشكرا ، حتى إن المثل ليضرب بصبره عليه السلام ، ويضرب المثل أيضا بما حصل له من أنواع البلايا ، وقد روي عن وهب بن منبه ، وغيره من علماء بني إسرائيل في قصة أيوب خبر طويل في كيفية ذهاب ماله وولده ، وبلائه في جسده ، والله أعلم بصحته ، وعن مجاهد أنه قال : كان أيوب عليه السلام أول من أصابه الجدري . مدة بلاء أيوب عليه السلام ومرضه وقد اختلفوا في مدة بلواه على أقوال ؛ فزعم وهب أنه ابتلي ثلاث سنين لا تزيد ولا تنقص . وقال أنس ابتلي سبع سنين وأشهرا ، وألقي على مزبلة لبني إسرائيل تختلف الدواب في جسده حتى فرج الله عنه ، وعظم له الأجر ، وأحسن الثناء عليه .

وقال حميد : مكث في بلواه ثماني عشرة سنة . وقال السدي : تساقط لحمه حتى لم يبق إلا العظم والعصب ، فكانت امرأته تأتيه بالرماد تفرشه تحته ، فلما طال عليها قالت : يا أيوب لو دعوت ربك لفرج عنك . فقال : قد عشت سبعين سنة صحيحا فهو قليل لله أن أصبر له سبعين سنة ، فجزعت من هذا الكلام ، وكانت تخدم الناس بالأجر ، وتطعم أيوب عليه السلام ، ثم إن الناس لم يكونوا يستخدمونها لعلمهم أنها امرأة أيوب خوفا أن ينالهم من بلائه أو تعديهم بمخالطته ، فلما لم تجد أحدا يستخدمها عمدت فباعت لبعض بنات الأشراف إحدى ضفيرتيها بطعام طيب كثير فأتت به أيوب . فقال : من أين لك هذا ؟ وأنكره فقالت : خدمت به أناسا . فلما كان الغد لم تجد أحدا فباعت الضفيرة الأخرى بطعام فأتته به فأنكره أيضا ، وحلف لا يأكله حتى تخبره من أين لها هذا الطعام ؟ فكشفت عن رأسها خمارها ، فلما رأى رأسها محلوقا . قال في دعائه : أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين .

وعن عبد الله بن عبيد بن عمير قال : كان لأيوب أخوان فجاءا يوما فلم يستطيعا أن يدنوا منه من ريحه فقاما من بعيد . فقال أحدهما لصاحبه : لو كان الله علم من أيوب خيرا ما ابتلاه بهذا . فجزع أيوب من قولهما جزعا لم يجزع من شيء قط مثله ، قال : اللهم إن كنت تعلم أني لم أبت ليلة قط شبعانا ، وأنا أعلم مكان جائع فصدقني . فصدق من السماء وهما يسمعان ، ثم قال : اللهم إن كنت تعلم أني لم يكن لي قميصان قط ، وأنا أعلم مكان عار فصدقني . فصدق من السماء وهما يسمعان ، ثم قال : اللهم بعزتك وخر ساجدا ، فقال : اللهم بعزتك لا أرفع رأسي أبدا حتى تكشف عني فما رفع رأسه حتى كشف عنه .

وعن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن نبي الله أيوب لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة ، فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه كانا من أخص إخوانه له كانا يغدوان إليه ويروحان ، فقال أحدهما لصاحبه : تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنبا ما أذنبه أحد من العالمين . قال له صاحبه : وما ذاك ؟ قال : منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه ربه فيكشف ما به . فلما راحا إليه لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له ، فقال أيوب : لا أدري ما تقول غير أن الله عز وجل يعلم أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان فيذكران الله ، فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما كراهية أن يذكرا الله إلا في حق . وقيل : كان سبب دعائه أنه كان قد اتبعه ثلاثة نفر على دينه اسم أحدهم بلدد والآخر اليفر ، والثالث صافر ، فانطلقوا إليه وهو في البلاء فبكتوه أشد تبكيت ، وقالوا له : لقد أذنبت ذنبا ما أذنبه أحد ، فلهذا لم يكشف العذاب عنك . وطال الجدال بينهم وبينه ، فقال فتى كان معهم لهم كلاما يرد عليهم ، فقال : قد تركتم من القول أحسنه ، ومن الرأي أصوبه ، ومن الأمر أجمله ، وقد كان لأيوب عليكم من الحق والذمام أفضل من الذي وصفتم ، فهل تدرون حق من انتقصتم وحرمة من انتهكتم ، ومن الرجل الذي عبتم ؟ ألم تعلموا أن أيوب نبي الله وخيرته من خلقه يومكم هذا ؟ ثم لم تعلموا ولم يعلمكم الله أنه سخط شيئا من أمره ولا أنه نزع شيئا من الكرامة التي كرم الله بها عباده ولا أن أيوب فعل غير الحق في طول ما صحبتموه ، فإن كان البلاء هو الذي أزرى به عندكم ووضعه في نفوسكم ، فقد علمتم أن الله يبتلي النبيين ، والصديقين ، والشهداء ، والصالحين وليس بلاؤه لأولئك دليلا على سخطه عليهم ولا على هوانهم عليه ولكنها كرامة وخيرة لهم . وأطال في هذا النحو من الكلام .

ثم قال لهم : وقد كان في عظمة الله وجلاله وذكر الموت ما يكل ألسنتكم ويكسر قلوبكم ويقطع حجتكم ، ألم تعلموا أن لله عبادا أسكتتهم خشيته عن الكلام من غير عي ولا بكم ؟ وإنهم لهم الفصحاء الألباء العالمون بالله وآياته ، ولكنهم إذا ذكروا عظمة الله انكسرت قلوبهم ، وانقطعت ألسنتهم ، وطاشت أحلامهم ، وعقولهم فزعا من الله وهيبة له ، فإذا أفاقوا استبقوا إلى الله بالأعمال الزاكية يعدون أنفسهم مع الظالمين وإنهم لأبرار ، ومع المقصرين وإنهم لأكياس أتقياء ، ولكنهم لا يستكثرون لله - عز وجل - الكثير ولا يرضون له القليل ولا يدلون عليه بالأعمال فهم أينما لقيتهم خائفون مهيمون وجلون .

فلما سمع أيوب كلامه قال : إن الله يزرع الحكمة بالرحمة في قلب الصغير ، والكبير ، فمتى كانت في القلب ظهرت على اللسان ولا تكون الحكمة من قبل السن ، والشيبة ، ولا طول التجربة ، وإذا جعل الله تعالى عبدا حكيما عند الصبا لم تسقط منزلته عند الحكام . ثم أقبل على الثلاثة ، فقال : رهبتم قبل أن تسترهبوا ، وبكيتم قبل أن تضربوا ، كيف بكم لو قلت لكم تصدقوا عني بأموالكم لعل الله أن يخلصني ، أو قربوا قربانا لعل الله أن يتقبل ويرضى عني ؟ وإنكم قد أعجبتكم أنفسكم فظننتم أنكم عوفيتم بإحسانكم فبغيتم وتعززتم ، لو صدقتم ونظرتم بينكم وبين ربكم لوجدتم لكم عيوبا سترها الله بالعافية ، وقد كنت فيما خلا والرجال يوقرونني وأنا مسموع كلامي ، معروف من حقي ، منتصف من خصمي ، فأصبحت اليوم وليس لي رأي ولا كلام معكم ، فأنتم أشد علي من مصيبتي .

ثم أعرض عنهم ، وأقبل على ربه مستغيثا به متضرعا إليه ، فقال : رب ، لأي شيء خلقتني ! ليتني إن كرهتني لم تخلقني ، يا ليتني كنت حيضة ملقاة ، ويا ليتني عرفت الذنب الذي أذنبت فصرفت وجهك الكريم عني ! لو كنت أمتني فالموت أجمل بي ! ألم أكن للغريب دارا ، وللمسكين قرارا ، ولليتيم وليا ، وللأرملة قيما ؟ إلهي أنا عبد ذليل إن أحسنت فالمن لك ، وإن أسأت فبيدك عقوبتي ! جعلتني للبلاء غرضا فقد وقع علي البلاء لو سلطته على جبل لضعف عن حمله فكيف يحمله ضعفي ! ذهب المال فصرت أسأل بكفي فيطعمني من كنت أعوله اللقمة الواحدة فيمنها علي ويعيرني ! هلك أولادي ، ولو بقي أحدهم أعانني . فقد ملتني أهلي وعقني أرحامي فتنكرت معارفي ، ورغب عني صديقي ، وجحدت حقوقي ، ونسيت صنائعي . أصرخ فلا يصرخونني ، وأعتذر فلا يعذرونني . دعوت غلامي فلم يجبني ، وتضرعت إلى أمتي فلم ترحمني ، وإن قضاءك هو الذي آذاني وأقمأني ، وإن سلطانك هو الذي أسقمني . فلو أن ربي نزع الهيبة التي في صدري وأطلق لساني حتى أتكلم ملء فمي ، ثم كان ينبغي للعبد أن يحاج مولاه عن نفسه - لرجوت أن تعافيني عند ذلك ، ولكنه ألقاني وعلا عني فهو يراني ولا أراه ، ويسمعني ولا أسمعه ، لا نظر إلي فرحمني ، ولا دنا مني فأتكلم ببراءتي وأخاصم عن نفسي .

فلما قال أيوب ذلك أظلتهم غمامة ونودي منها : يا أيوب إن الله يقول قد دنوت منك ولم أزل منك قريبا ، فقم فأدل بحجتك ، وتكلم ببراءتك ، وقم مقام جبار ، فإنه لا ينبغي أن يخاصمني إلا جبار . تجعل الزيار في فم الأسد ، واللجام في فم التنين ، وتكيل مكيالا من النور ، وتزن مثقالا من الريح ، وتصر صرة من الشمس ، وترد أمس . لقد منتك نفسك أمرا لا تبلغه بمثل قوتك . أردت أن تكابرني بضعفك أم تخاصمني بعيك أم تحاجني بخطلك ! أين أنت مني يوم خلقت الأرض ؟ هل علمت بأي مقدار قدرتها ؟ أين كنت معي يوم رفعت السماء سقفا في الهواء لا بعلائق ولا بدعائم تحملها ؟ هل تبلغ حكمتك أن تجري نورها ، أو تسير نجومها ، أو يختلف بأمرك ليلها ونهارها ؟ وذكر أشياء من مصنوعات الله .

فقال أيوب : قصرت عن هذا الأمر ! ليت الأرض انشقت لي فذهبت فيها ولم أتكلم بشيء يسخطك ! إلهي اجتمع علي البلاء ، وأنا أعلم أن كل الذي ذكرت صنع يديك ، وتدبير حكمتك لا يعجزك شيء ولا تخفى عليك خافية ، تعلم ما تخفي القلوب ، وقد علمت بلائي ما لم أكن أعلمه . كنت أسمع بسطوتك سمعا فأما الآن فهو نظر العين . وإنما تكلمت بما تكلمت به لتعذرني ، وسكت لترحمني ، وقد وضعت يدي على فمي ، وعضضت على لساني ، وألصقت بالتراب خدي فدسست فيه وجهي فلا أعود لشيء تكرهه . ودعا .

فقال الله : يا أيوب ، نفذ فيك حكمي ، وسبقت رحمتي غضبي ، قد غفرت لك ورددت عليك أهلك ، ومالك ، ومثلهم معهم لتكون لمن خلفك آية وعبرة لأهل البلاء وعزاء للصابرين ، فـ اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب فيه شفاء ، وقرب عن أصحابك قربانا واستغفر لهم فإنهم قد عصوني فيك . فركض برجله فانفجرت له عين ماء ، فاغتسل فيها ، فرفع الله عنه البلاء ، ثم خرج فجلس وأقبلت امرأته فسألته عنه فقال : هل تعرفينه ؟ قالت : نعم ، مالي لا أعرفه ! فتبسم ، فعرفته بضحكه ، فاعتنقته فلم تفارقه من عناقه حتى مر بهما كل مال لهما وولد . وقيل : وكان يخرج في حاجته فإذا قضاها أمسكت امرأته بيده حتى يرجع ، فلما كان ذات يوم أبطأت عليه فأوحى الله إلى أيوب في مكانه أن : اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب فاستبطأته فتلقته تنظر ، وأقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء ، وهو على أحسن ما كان ، فلما رأته قالت : أي بارك الله فيك ، هل رأيت نبي الله هذا المبتلى ؟ فوالله على ذلك ما رأيت رجلا أشبه به منك إذ كان صحيحا . قال : فإني أنا هو . قال : وكان له أندران ؛ أندر للقمح وأندر للشعير ، فبعث الله سحابتين فلما كانت إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض ، وأفرغت الأخرى في أندر الشعير الورق حتى فاض . هذا لفظ ابن جرير . وعن ابن عباس قال : وألبسه الله حلة من الجنة فتنحى أيوب ، وجلس في ناحية ، وجاءت امرأته فلم تعرفه فقالت : يا عبد الله هذا المبتلى الذي كان هاهنا ، لعل الكلاب ذهبت به أو الذئاب ؟ وجعلت تكلمه ساعة . قال : ويحك أنا أيوب . قالت : أتسخر مني يا عبد الله ؟ فقال : ويحك أنا أيوب قد رد الله علي جسدي .

قال ابن عباس : ورد الله عليه ماله وولده بأعيانهم ومثلهم معهم . وقال وهب بن منبه أوحى الله إليه : قد رددت عليك أهلك ومالك ، ومثلهم معهم ، فاغتسل بهذا الماء فإن فيه شفاءك وقرب عن صحابتك قربانا ، واستغفر لهم فإنهم قد عصوني فيك . رواه ابن أبي حاتم .

وعن النضر بن أنس ، عن بشير بن نهيك ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لما عافى الله أيوب عليه السلام أمطر عليه جرادا من ذهب فجعل يأخذ بيده ، ويجعل في ثوبه . قال : فقيل له : يا أيوب أما تشبع ؟ قال : يا رب ومن يشبع من رحمتك .

وقوله : اركض برجلك أي اضرب الأرض برجلك فامتثل ما أمر به فأنبع الله له عينا باردة الماء ، وأمر أن يغتسل فيها ، ويشرب منها ، فأذهب الله عنه ما كان يجده من الألم والأذى والسقم والمرض ، الذي كان في جسده ظاهرا وباطنا ، وأبدله الله بعد ذلك كله صحة ظاهرة وباطنة ، وجمالا تاما ، ومالا كثيرا حتى صب له من المال صبا مطرا عظيما جرادا من ذهب ، وأخلف الله له أهله ، كما قال تعالى : وآتيناه أهله ومثلهم معهم . فقيل أحياهم الله بأعيانهم . وقيل : آجره فيمن سلف ، وعوضه عنهم في الدنيا بدلهم ، وجمع له شمله بكلهم في الدار الآخرة . وقوله : رحمة من عندنا . أي رفعنا عنه شدته ، وكشفنا ما به من ضر رحمة منا به ورأفة وإحسانا وذكرى للعابدين أي تذكرة لمن ابتلي في جسده أو ماله أو ولده فله أسوة بنبي الله أيوب ، حيث ابتلاه الله بما هو أعظم من ذلك ، فصبر واحتسب حتى فرج الله عنه .

ومن فهم من هذا اسم امرأته . فقال : هي رحمة من هذه الآية فقد أبعد النجعة ، وأغرق في النزع . وقال الضحاك ، عن ابن عباس : رد الله إليها شبابها وزادها حتى ولدت له ستة وعشرين ولدا ذكرا .

وعاش أيوب بعد ذلك سبعين سنة بأرض الروم على دين الحنيفية ، ثم غيروا بعده دين إبراهيم . رخصة أيوب عليه السلام فيما كان من حلفه ليضربن امرأته مائة سوط وقوله : خذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب . هذه رخصة من الله تعالى لعبده ورسوله أيوب عليه السلام فيما كان من حلفه ليضربن امرأته مائة سوط . فقيل : حلفه ذلك لبيعها ضفائرها . وقيل : لأنه اعترضها الشيطان في صورة طبيب يصف لها دواء لأيوب ، فأتته فأخبرته ، فعرف أنه الشيطان فحلف ليضربنها مائة سوط ، فلما عافاه الله عز وجل أفتاه أن يأخذ ضغثا ، وهو كالعثكال الذي يجمع الشماريخ فيجمعها كلها ويضربها به ضربة واحدة ، ويكون هذا منزلا منزلة الضرب بمائة سوط ، ويبر ولا يحنث . وهذا من الفرج والمخرج لمن اتقى الله ، وأطاعه ، ولا سيما في حق امرأته الصابرة المحتسبة المكابدة الصديقة البارة الراشدة رضي الله عنها ؛ ولهذا عقب الله هذه الرخصة ، وعللها بقوله : إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب . وقد استعمل كثير من الفقهاء هذه الرخصة في باب الأيمان والنذور ، وتوسع آخرون فيها حتى وضعوا كتاب الحيل في الخلاص من الأيمان ، وصدروه بهذه الآية الكريمة ، وأتوا فيه بأشياء من العجائب والغرائب.

التالي السابق


الخدمات العلمية