ولما وقع ما وقع من الأمر العظيم ، وهو الغلب الذي غلبه فرعون وقومه من القبط في ذلك الموقف الهائل ، وأسلم السحرة ، الذين استنصروا ربهم لم يزدهم ذلك إلا كفرا وعنادا وبعدا عن الحق فأخبر تعالى عن
الملأ من قوم فرعون ، وهم الأمراء والكبراء ، أنهم حرضوا ملكهم فرعون على أذية نبي الله موسى ، عليه السلام ، ومقابلته - بدل التصديق بما جاء به - بالكفر والرد والأذى ، فقالوا
أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك يعنون ، قبحهم الله ، أن دعوته إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، والنهي عن عبادة ما سواه فساد بالنسبة إلى اعتقاد القبط ، لعنهم الله . وقرأ بعضهم : " ويذرك وإلاهتك " أي ; وعبادتك . ويحتمل شيئين ; أحدهما ويذر دينك . وتقويه القراءة الأخرى . الثاني ، ويذر أن يعبدك ، فإنه كان يزعم أنه إله ، لعنه الله
قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم أي ; لئلا تكثر مقاتلتهم
وإنا فوقهم قاهرون أي ; غالبون
قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين أي ; إذا هموا هم بأذيتكم والفتك بكم فاستعينوا أنتم بربكم ، واصبروا على بليتكم ،
إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين أي ; فكونوا أنتم من المتقين ; لتكون لكم العاقبة ، كما قال تعالى في الآية الأخرى :
وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ونجنا برحمتك من القوم الكافرين [ يونس : 84 - 86 ] . وقولهم :
أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا أي ; قد كانت الأبناء تقتل قبل مجيئك ، وبعد مجيئك إلينا
قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون وقال الله تعالى في سورة " حم المؤمن " :
ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب [ غافر : 23 ، 24 ] . وكان فرعون الملك ، وهامان الوزير ، وكان قارون إسرائيليا من قوم موسى ، إلا أنه كان على دين فرعون وملئه ، وكان ذا مال جزيل جدا ، .
فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم وما كيد الكافرين إلا في ضلال [ غافر : 25 ] . وهذا
القتل للغلمان ، من بعد بعثة موسى ، إنما كان على وجه الإهانة والإذلال ، والتقليل لملأ بني إسرائيل ; لئلا تكون لهم شوكة يمتنعون بها أو يصولون على القبط بسببها ، وكانت القبط منهم يحذرون ، فلم ينفعهم ذلك ; ولم يرد عنهم قدر الذي يقول للشيء : كن . فيكون .
وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد [ غافر : 26 ] . ولهذا يقول الناس على سبيل التهكم : صار فرعون مذكرا . وهذا منه ، فإن فرعون في زعمه يخاف على الناس أن يضلهم موسى ، عليه السلام .
وقال موسى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب [ غافر : 27 ] . أي ; عذت بالله ، ولجأت إليه واستجرت بجنابه من أن يسطو فرعون أو غيره علي بسوء . وقوله :
من كل متكبر أي ; جبار عنيد ، لا يرعوي ولا ينتهي ، ولا يخاف عذاب الله وعقابه ; لأنه لا يعتقد معادا ولا جزاء ، ولهذا قال
من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب .