[ذهاب السبعين إلى الطور يعتذرون من عبادة العجل]

ثم إن موسى اختار من قومه سبعين رجلا من أخيارهم ، وقال لهم : انطلقوا معي إلى الله فتوبوا مما صنعتم ، وخرج بهم إلى طور سينا للميقات الذي وقته الله له وذكر السدي ، وابن عباس ، وغيرهما ، أن هؤلاء السبعين كانوا علماء بني إسرائيل ، ومعهم موسى ، وهارون ، ويوشع ، وناداب ، وأبيهو ، ذهبوا مع موسى ، عليه السلام ، ليعتذروا عن بني إسرائيل في عبادة من عبد منهم العجل ، وكانوا قد أمروا أن يتطيبوا ويتطهروا ويغتسلوا ، فلما ذهبوا معه ، واقتربوا من الجبل ، وعليه الغمام ، وعمود النور ساطع ، وصعد موسى الجبل ، فذكر بنو إسرائيل أنهم سمعوا كلام الله ، وهذا قد وافقهم عليه طائفة من المفسرين ، وحملوا عليه قوله تعالى : وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون [ البقرة : 57 ] . وليس هذا بلازم; لقوله تعالى : فأجره حتى يسمع كلام الله أي; مبلغا ، وهكذا هؤلاء سمعوه مبلغا من موسى ، عليه السلام . وزعموا أيضا أن السبعين رأوا الله ، وهذا غلط منهم; لأنهم لما سألوا الرؤية أخذتهم الرجفة; كما قال تعالى : وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون [ البقرة : 55 ، 56 ] . قال محمد بن إسحاق : اختار موسى من بني إسرائيل سبعين رجلا ، الخير فالخير وقال : انطلقوا إلى الله ، فتوبوا إليه مما صنعتم ، وسلوه التوبة على من تركتم وراءكم من قومكم ، صوموا وتطهروا ، وطهروا ثيابكم . فخرج بهم إلى طور سيناء لميقات وقته له ربه ، وكان لا يأتيه إلا بإذن منه وعلم ، فطلب منه السبعون أن يسمعوا كلام الله ، فقال : أفعل . فلما دنا موسى من الجبل وقع عليه عمود الغمام حتى تغشى الجبل كله ، ودنا موسى فدخل في الغمام ، وقال للقوم : ادنوا . وكان موسى إذا كلمه الله وقع على جبهته نور ساطع ، لا يستطيع أحد من بني آدم أن ينظر إليه ، فضرب دونه بالحجاب ، ودنا القوم ، حتى إذا دخلوا في الغمام ، وقعوا سجودا ، فسمعوه وهو يكلم موسى ، يأمر وينهاه; افعل . ولا تفعل . فلما فرغ الله من أمره ، وانكشف عن موسى الغمام أقبل إليهم قالوا لموسى : لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الرجفة - وهي الصاعقة - فافتلتت أرواحهم ، فماتوا جميعا فقام موسى يناشد ربه ، ويدعوه ، ويرغب إليه ، ويقول : رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا أي; لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء الذين عبدوا العجل منا ، فإنا برآء مما عملوا . وقال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، وابن جريج : إنما أخذتهم الرجفة لأنهم لم ينهوا قومهم عن عبادة العجل . وقوله : إن هي إلا فتنتك أي; اختبارك ، وابتلاؤك ، وامتحانك . قاله ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وأبو العالية ، والربيع بن أنس ، وغير واحد من علماء السلف والخلف . يعني : أنت الذي قدرت هذا ، وخلقت ما كان من أمر العجل ، اختبارا تختبرهم به ، كما قال لهم هارون من قبل : يا قوم إنما فتنتم به أي ; اختبرتم به ، ولهذا قال : تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أي ; من شئت أضللته باختبارك إياه ، ومن شئت هديته ، لك الحكم والمشيئة ، فلا مانع ولا راد لما حكمت وقضيت . أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين .

واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك أي; تبنا إليك ورجعنا وأنبنا . قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء أي; أنا أعذب من شئت بما أشاء من الأمور ، التي أخلقها وأقدرها ، ورحمتي وسعت كل شيء كما ثبت في " الصحيحين " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : إن الله لما فرغ من خلق السماوات والأرض ، كتب كتابا ، فهو موضوع عنده فوق العرش : إن رحمتي تغلب غضبي فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون أي; فسأوجبها حتما لمن يتصف بهذه الصفات .

التالي السابق


الخدمات العلمية