وقال تعالى في سورة " ص " : ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب والشياطين كل بناء وغواص وآخرين مقرنين في الأصفاد هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب [ ص : 30 - 40 ] . يذكر تعالى أنه وهب لداود سليمان ، عليهما السلام ، ثم أثنى الله تعالى عليه فقال : نعم العبد إنه أواب أي : رجاع مطيع لله . ثم ذكر تعالى ما كان من أمره في الخيل الصافنات - وهي التي تقف على ثلاث وطرف حافر الرابعة - الجياد ; وهي المضمرة السراع : فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب يعني الشمس . وقيل : الخيل . على ما سنذكره من القولين . ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق قيل : مسح عراقيبها وأعناقها بالسيوف . وقيل : مسح عنها العرق لما أجراها وسابق بينها وبين يديه ، على القول الآخر . والذي عليه أكثر السلف الأول ; فقالوا اشتغل بعرض تلك الخيول حتى خرج وقت العصر وغربت الشمس . روي هذا عن علي بن أبي طالب وغيره . والذي يقطع به ، أنه لم يترك الصلاة عمدا من غير عذر ، اللهم إلا أن يقال : إنه كان سائغا في شريعتهم تأخير الصلاة لأجل أسباب الجهاد ، وعرض الخيل من ذلك . وقد ادعى طائفة من العلماء في تأخير النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العصر يوم الخندق أن هذا كان مشروعا إذ ذاك ، حتى نسخ بصلاة الخوف . قاله الشافعي وغيره . وقال مكحول والأوزاعي : بل هو حكم محكم إلى اليوم ، أنه يجوز تأخيرها لعذر القتال الشديد . كما ذكرنا تقرير ذلك في سورة " النساء " عند صلاة الخوف . وقال آخرون : بل كان تأخير النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العصر يوم الخندق نسيانا . وعلى هذا فيحمل فعل سليمان ، عليه السلام ، على هذا . والله أعلم . وأما من قال : الضمير في قوله : فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب عائد على الخيل ، وإنه لم يفته وقت صلاة ، وإن المراد بقوله : ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق يعني : مسح العرق عن عراقيبها وأعناقها . فهذا القول اختاره ابن جرير ، ورواه الوالبي عن ابن عباس في مسح العرق . ووجه هذا القول ابن جرير ; بأنه ما كان ليعذب الحيوان بالعرقبة ، ويهلك مالا بلا سبب ولا ذنب لها . وهذا الذي قاله فيه نظر ; لأنه قد يكون هذا سائغا في ملتهم . وقد ذهب بعض علمائنا إلى أنه إذا خاف المسلمون أن يظفر الكفار على شيء من الحيوانات من أغنام ونحوها ; جاز ذبحها وإهلاكها لئلا يتقووا بها ، وعليه حمل صنيع جعفر بن أبي طالب يوم عقر فرسه بموته . وقد قيل : إنها كانت خيلا عظيمة ; قيل : كانت عشرة آلاف فرس . وقيل : عشرين ألف فرس . وقيل : كان فيها عشرون فرسا من ذوات الأجنحة .

وقد روى أبو داود بسنده عن عائشة قالت : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك - أو خيبر - وفي سهوتها ستر ، فهبت الريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة لعب ، فقال : ما هذا يا عائشة ! فقالت : بناتي . ورأى بينهن فرسا له جناحان من رقاع ، فقال : ما هذا الذي أرى وسطهن ؟ قالت : فرس . قال : وما الذي عليه هذا ؟ قالت : جناحان . قال : فرس له جناحان ؟ قالت : أما سمعت أن لسليمان خيلا لها أجنحة! قالت : فضحك حتى رأيت نواجذه صلى الله عليه وسلم . وقال بعض العلماء : لما ترك الخيل لله ، عوضه الله عنها بما هو خير له منها ، وهو الريح التي كان غدوها شهرا ورواحها شهرا ، كما سيأتي الكلام عليها ، كما قال الإمام أحمد : بسنده، عن أبي قتادة وأبي الدهماء وكانا يكثران السفر نحو البيت ، قالا : أتينا على رجل من أهل البادية فقال البدوي : أخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعل يعلمني مما علمه الله ، عز وجل ، وقال : إنك لا تدع شيئا اتقاء الله عز وجل إلا أعطاك الله خيرا منه .

التالي السابق


الخدمات العلمية