وقوله : ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير أي : وسخر الله له من الجن عمالا يعملون له ما يشاء ، لا يفترون ولا يخرجون عن طاعته ، ومن خرج منهم عن الأمر عذبه ونكل به . يعملون له ما يشاء من محاريب وهي الأماكن الحسنة وصدور المجالس . وتماثيل وهي الصور في الجدران ، وكان هذا سائغا في شريعتهم وملتهم . وجفان كالجواب قال ابن عباس : الجفنة كالجوبة من الأرض . وعنه : كالحياض . وكذا قال مجاهد ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك ، وغيرهم . وعلى هذه الرواية يكون ( الجواب ) : جمع جابية ; وهي الحوض الذي يجبى فيه الماء ، كما قال الأعشى :

نفى الذم عن آل المحلق جفنة كجابية السيح العراقي تفهق



وأما القدور الراسيات ، فقال عكرمة : أثافيها منها . يعني أنهن ثوابت لا يزلن عن أماكنهن . وهكذا قال مجاهد وغير واحد . ولما كان هذا بصدد إطعام الطعام ، والإحسان إلى الخلق من إنس وجان ، قال تعالى : اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور وقال تعالى : والشياطين كل بناء وغواص وآخرين مقرنين في الأصفاد [ ص : 37 ، 38 ] . يعني أن منهم من قد سخره في البناء ، ومنهم من يأمره بالغوص في الماء لاستخراج ما هنالك من الجواهر والللآلئ ، وغير ذلك مما لا يوجد إلا هنالك . وقوله : وآخرين مقرنين في الأصفاد أي : قد عصوا فقيدوا مقرنين اثنين اثنين في الأصفاد ، وهي القيود . هذا كله من جملة ما هيأ الله وسخر له من الأشياء التي هي من تمام الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده ، ولم يكن أيضا لمن كان قبله .

عن أبي الدرداء قال : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى ، فسمعناه يقول : أعوذ بالله منك ألعنك بلعنة الله . ثلاثا ، وبسط يده كأنه يتناول شيئا ، فلما فرغ من الصلاة قلنا : يا رسول الله سمعناك تقول في الصلاة شيئا لم نسمعك تقوله قبل ذلك ، ورأيناك بسطت يدك . قال : إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي فقلت : أعوذ بالله منك - ثلاث مرات - ثم قلت : ألعنك بلعنة الله التامة . فلم يستأخر - ثلاث مرات - ثم أردت أخذه ، والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقا يلعب به ولدان أهل المدينة .

وقال أحمد : حدثنا أبو عبيد صاحب سليمان ، قال : رأيت عطاء بن يزيد الليثي قائما يصلي ، فذهبت أمر بين يديه ، فردني ثم قال : حدثني أبو سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فصلى صلاة الصبح وهو خلفه ، فقرأ فالتبست عليه القراءة ، فلما فرغ من صلاته قال : لو رأيتموني وإبليس ، فأهويت بيدي ، فما زلت أخنقه حتى وجدت برد لعابه بين أصبعي هاتين - الإبهام والتي تليها - ولولا دعوة أخي سليمان لأصبح مربوطا بسارية من سواري المسجد ، يتلاعب به صبيان المدينة ، فمن استطاع منكم أن لا يحول بينه وبين القبلة أحد فليفعل .

التالي السابق


الخدمات العلمية