زهد وحياة يحيى عليه السلام
وقد ذكروا أن يحيى ، عليه السلام ، كان كثير الانفراد من الناس ، إنما كان يأنس إلى البراري ، ويأكل من ورق الأشجار ، ويرد ماء الأنهار ، ويتغذى بالجراد في بعض الأحيان ، ويقول : من أنعم منك يا يحيى . وروى ابن عساكر ، أن أبويه خرجا في تطلبه ، فوجداه عند بحيرة الأردن ، فلما اجتمعا به أبكاهما بكاء شديدا ; لما هو فيه من العبادة والخوف من الله عز وجل . وعن مجاهد ، قال : كان طعام يحيى بن زكريا العشب ، وإن كان ليبكي من خشية الله ، حتى لو كان القار على عينيه لحرقه . وعن ابن شهاب ، قال : جلست يوما إلى أبي إدريس الخولاني وهو يقص ، فقال : ألا أخبركم بمن كان أطيب الناس طعاما ؟ فلما رأى الناس قد نظروا إليه قال : إن يحيى بن زكريا ، كان أطيب الناس طعاما ; إنما كان يأكل مع الوحش ; كراهة أن يخالط الناس في معايشهم . وقال ابن المبارك ، عن وهيب بن الورد ، قال : فقد زكريا ابنه يحيى ثلاثة أيام ، فخرج يلتمسه في البرية ، فإذا هو قد احتفر قبرا وأقام فيه يبكي على نفسه . فقال : يا بني أنا أطلبك من ثلاثة أيام ، وأنت في قبر قد احتفرته ، قائم تبكي فيه ؟! فقال : يا أبت ، ألست أنت أخبرتني أن بين الجنة والنار مفازة لا تقطع إلا بدموع البكائين ؟ فقال له : ابك يا بني . فبكيا جميعا . وروى ابن عساكر عنه ، أنه قال : إن أهل الجنة لا ينامون للذة ما هم فيه من النعيم ، فكذا ينبغي للصديقين أن لا يناموا ; لما في قلوبهم من نعيم المحبة لله عز وجل . ثم قال : كم بين النعيمين وكم بينهما . وذكروا أنه كان كثير البكاء ، حتى أثر البكاء في خديه من كثرة دموعه .
التالي
السابق