عن ابن طاوس ، عن أبيه ، قال : لقي عيسى ابن مريم إبليس ، فقال : أما علمت أنه لن يصيبك إلا ما كتب لك ؟ قال إبليس : فارق بذروة هذا الجبل ، فترد منه فانظر تعيش أم لا ؟ فقال ابن طاوس ، عن أبيه : فقال عيسى : أما علمت أن الله قال : لا يجربني عبدي ، فإني أفعل ما شئت .
وقال الزهري : إن العبد لا يبتلي ربه ، ولكن الله يبتلي عبده .
وعن طاوس قال : أتى الشيطان عيسى ابن مريم ، فقال : أليس تزعم أنك صادق ؟ فأت هذه فألق نفسك . قال : ويلك! أليس قال : يا ابن آدم ، لا تسألني هلاك نفسك ، فإني أفعل ما أشاء .
وعن خالد بن يزيد ، قال : تعبد الشيطان مع عيسى عشر سنين أو سنتين ، أقام يوما على شفير جبل ، فقال الشيطان : أرأيت إن ألقيت نفسي ، هل يصيبني إلا ما كتب لي ؟ قال : إني لست بالذي أبتلي ربي ولكن ربي إذا شاء ابتلاني . وعرف أنه الشيطان ، ففارقه .
وعن أبي عثمان ، قال : كان عيسى ، عليه السلام ، يصلي على رأس جبل فأتاه إبليس فقال : أنت الذي تزعم أن كل شيء بقضاء وقدر ؟ قال : نعم . قال : ألق نفسك من هذا الجبل وقل : قدر علي . فقال : يا لعين ، الله يختبر العباد ، وليس العباد يختبرون الله ، عز وجل . وقال أيضا : وعن سفيان بن عيينة قال : لقي عيسى ابن مريم إبليس ، فقال له إبليس : يا عيسى ابن مريم ، أنت الذي بلغ من عظم ربوبيتك أنك تكلمت في المهد صبيا ، ولم يتكلم فيه أحد قبلك . قال : بل الربوبية للإله الذي أنطقني ، ثم يميتني ، ثم يحييني . قال : فأنت الذي بلغ من عظم ربوبيتك أنك تحيي الموتى . قال : بل الربوبية لله الذي يحيي ويميت من أحييت ثم يحييه . قال : والله إنك لإله في السماء وإله في الأرض . قال : فصكه جبريل صكة بجناحه فما تناهى دون قرون الشمس ، ثم صكه أخرى بجناحه فما تناهى دون العين الحامية ، ثم صكه أخرى فأدخله بحار السابعة فأساخه - وفي رواية : فأسلكه - فيها حتى وجد طعم الحمأة ، فخرج منها وهو يقول : ما لقي أحد من أحد ما لقيت منك يا ابن مريم .
. وعن أبو سلمة سويد ، عن بعض أصحابه ، قال : صلى عيسى ببيت المقدس فانصرف ، فلما كان ببعض العقبة ، عرض له إبليس فاحتبسه ، فجعل يعرض عليه ويكلمه ويقول له : إنه لا ينبغي لك أن تكون عبدا . فأكثر عليه ، وجعل عيسى يحرص على أن يتخلص منه ، فجعل لا يتخلص منه ، فقال له فيما يقول : لا ينبغي لك يا عيسى أن تكون عبدا . قال : فاستغاث عيسى بربه ، فأقبل جبريل وميكائيل ، فلما رآهما إبليس كف ، فلما استقرا معه على العقبة ، اكتنفا عيسى ، وضرب جبريل إبليس بجناحه ، فقذفه في بطن الوادي . قال : فعاد إبليس معه ، وعلم أنهما لم يؤمرا بغير ذلك ، فقال لعيسى : قد أخبرتك أنه لا ينبغي أن تكون عبدا ، إن غضبك ليس بغضب عبد ، وقد رأيت ما لقيت منك حين غضبت ، ولكن أدعوك إلى أمر هو لك ; آمر الشياطين فليطيعوك ، فإذا رأى البشر أن الشياطين أطاعوك ، عبدوك ، أما إني لا أقول أن تكون إلها ليس معه إله ، ولكن الله يكون إلها في السماء ، وتكون أنت إلها في الأرض . فلما سمع عيسى ذلك منه ، استغاث بربه وصرخ صرخة شديدة ، فإذا إسرافيل قد هبط ، فنظر إليه جبريل وميكائيل ، فكف إبليس ، فلما استقر معهم ضرب إسرافيل إبليس بجناحه ، فصك به عين الشمس ، ثم ضربه ضربة أخرى ، فأقبل إبليس يهوي ، ومر بعيسى وهو بمكانه ، فقال : يا عيسى ، لقد لقيت فيك اليوم تعبا شديدا . فرمى به في عين الشمس ، فوجد سبعة أملاك عند العين الحامية . قال : فغطوه ، فجعل كلما خرج غطوه في تلك الحمأة . قال : والله ما عاد إليه بعد .
قال : وعن أبي حذيفة ، قال : واجتمع إليه شياطينه ، فقالوا : سيدنا ، قد لقيت تعبا . قال : إن هذا عبد معصوم ، ليس لي عليه من سبيل ، وسأضل به بشرا كثيرا ، وأبث فيهم أهواء مختلفة ، وأجعلهم شيعا ، ويجعلونه وأمه إلهين من دون الله . قال : وأنزل الله فيما أيد به عيسى وعصمه من إبليس قرآنا ناطقا بذكر نعمته على عيسى ، فقال :
ياعيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس يعني : إذ قويتك بروح القدس 72 ، يعني جبريل
تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب يعني الإنجيل والتوراة والحكمة ،
وإذ كففت بني إسرائيل عنك [ المائدة : 110 ] . وإذ جعلت المساكين لك بطانة وصحابة وأعوانا ترضى بهم ، وصحابة وأعوانا يرضون بك هاديا وقائدا إلى الجنة ، فذلك - فاعلم - خلقان عظيمان ، من لقيني بهما فقد لقيني بأزكى الخلائق وأرضاها عندي ، وسيقول لك بنو إسرائيل : صمنا فلم يتقبل صيامنا ، وصلينا فلم يقبل صلاتنا ، وتصدقنا فلم يقبل صدقاتنا ، وبكينا بمثل حنين الجمال فلم يرحم بكاءنا . فقل لهم : ولم ذلك ؟ وما الذي يمنعني ، أن ذات يدي قلت ؟! أوليس خزائن السماوات والأرض بيدي أنفق منها كيف أشاء ، أو أن البخل يعتريني ؟ أولست أجود من سئل وأوسع من أعطى ؟ أو أن رحمتي ضاقت ؟ وإنما يتراحم المتراحمون بفضل رحمتي ، ولولا أن هؤلاء القوم ، يا عيسى ابن مريم ، عدوا أنفسهم بالحكمة التي تورث في قلوبهم ما استأثروا به الدنيا أثرة على الآخرة ، لعرفوا من أين أتوا ، وإذا لأيقنوا أن أنفسهم هي أعدى الأعداء لهم ، وكيف أقبل صيامهم وهم يتقوون عليه بالأطعمة الحرام ؟! وكيف أقبل صلاتهم وقلوبهم تركن إلى الذين يحاربوني ويستحلون محارمي ؟! وكيف أقبل صدقاتهم وهم يغصبون الناس عليها ، فيأخذونها من غير حلها ؟! يا عيسى ، إنما أجزي عليها أهلها ، وكيف أرحم بكاءهم وأيديهم تقطر من دماء الأنبياء ، ازددت عليهم غضبا ، يا عيسى ، وقضيت يوم خلقت السماوات والأرض أنه من عبدني وقال فيكما بقولي ، أن أجعلهم جيرانك في الدار ، ورفقاءك في المنازل ، وشركاءك في الكرامة ، وقضيت يوم خلقت السماوات والأرض ، أنه من اتخذك وأمك إلهين من دون الله أن أجعلهم في الدرك الأسفل من النار ، وقضيت يوم خلقت السماوات والأرض ، أني مثبت هذا الأمر على يدي عبدي محمد وأختم به الأنبياء والرسل ، ومولده بمكة ، ومهاجره بطيبة ، وملكه بالشام ، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ، ولا متزين بالفحش ، ولا قوال بالخنا ، أسدده لكل أمر جميل ، وأهب له كل خلق كريم ، أجعل التقوى ضميره ، والحكمة معقوله ، والوفاء طبيعته ، والعدل سيرته ، والحق شريعته ، والإسلام ملته ، واسمه أحمد ، أهدي به بعد الضلالة ، وأعلم به بعد الجهالة ، وأغني به بعد العائلة ، وأرفع به بعد الضعة ، أهدي به ، وأفتح به بين آذان صم ، وقلوب غلف ، وأهواء مختلفة متفرقة ، أجعل أمته خير أمة أخرجت للناس ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ; إخلاصا لاسمي وتصديقا لما جاءت به الرسل ، ألهمهم التسبيح والتهليل والتقديس في مساجدهم ومجالسهم وبيوتهم ومنقلبهم ومثواهم ، يصلون لي قياما وقعودا وركعا وسجدا ، ويقاتلون في سبيلي صفوفا وزحوفا ، قربانهم دماؤهم ، وأناجيلهم في صدورهم ، وقربانهم في بطونهم ، رهبان بالليل ، ليوث بالنهار ، ذلك فضلي أوتيه من أشاء ، وأنا ذو الفضل العظيم .