بدء الوحي

قال علماء السير: أوحى الله تعالى إلى عيسى عليه السلام حين تم له ثلاثون سنة ، فأمره أن يبرز للناس فيدعوهم إلى الله عز وجل . وكانوا أرباب أوثان ، ثم أنزل عليه الإنجيل بالسريانية .

معجزة إحياء الموتى

وعن سلمان الفارسي ، قال: لم يبق في مدينتهم زمن ولا مبتلى ولا مريض إلا اجتمعوا إليه فدعا لهم فشفاهم الله ، فصدقوه واتبعوه ، ثم قالوا له: ابعث لنا من الآخرة ، قال: من تريدون ؟ قالوا: سام بن نوح ، فإنه قد مات منذ كذا وكذا ألف سنة ، قال: تعلمون أين قبره ؟ قالوا: في وادي كذا وكذا .

فانطلقوا إلى الوادي ، فصلى عيسى ركعتين ، ثم قال: يا رب ، إنهم سألوني ما قد علمت ، فابعث لي سام بن نوح ، فقال: يا سام بن نوح ، قم بإذن الله ، ثم نادى مثل ذلك ، ثم نادى الثالثة ، فأجابه فنظر إلى الأرض قد انشقت عنه ، فخرج وهو ينفض التراب عن رأسه وهو يقول: لبيك يا رسول الله وكلمته ، ها أنا ذا قد جئتك . فقال: يا بني إسرائيل ، هذا عيسى بن مريم ، ابن العذراء المباركة ، روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم ، فآمنوا به واتبعوه .

ثم قال: يا روح الله ، إنك لما دعوتني جمع الله مفاصلي وعظامي ، ثم سواني [ خلقا ] فلما دعوتني الثانية رجعت إلي روحي ، فلما دعوتني الثالثة خفت أن تكون القيامة ، فشاب رأسي وأتاني ملك ، فقال: هذا عيسى يدعوك لتصدق مقالته ، يا روح الله ، سل ربك أن يردني إلى الآخرة فلا حاجة لي في الدنيا .

قال عيسى : فإن شئت أن تكون معي ، قال: يا عيسى ، أكره كرب الموت ، ما ذاق الذائقون مثله . فدعا ربه فاستوت عليه الأرض ، وقبضه الله إليه ، فبلغ عدة من آمن بعيسى سبعة آلاف .

قال ابن الجوزي: وقد روي أن الذي أحياه حام [ بن نوح ] .

وعن ابن شهاب ، قال: قيل لعيسى بن مريم عليه السلام: أحي حام بن نوح ، فقال: أروني قبره ، فأروه فقام فقال: يا حام بن نوح احي بإذن الله ، فلم يخرج ، ثم قالها الثانية ، فإذا شق رأسه ولحيته أبيض . فقال: ما هذا ؟ قال: سمعت الدعاء الأول فظننت أنه من الله عز وجل ، فشاب له شقي ، ثم سمعت الثاني فعلمت أنه من الدنيا فخرجت . قال: منذ كم مت ؟ قال: منذ أربعة آلاف سنة ما ذهبت عني سكرة الموت .

وعن كعب الأحبار ، ووهب بن منبه ، وابن عباس ، وسلمان الفارسي - دخل حديث بعضهم في بعض - قالوا : لما بعث عيسى ابن مريم وجاءهم بالبينات ، جعل الكافرون والمنافقون من بني إسرائيل يعجبون منه ويستهزئون به فيقولون : ما أكل فلان البارحة ، وما ادخر في بيته ؟ فيخبرهم ، فيزداد المؤمنون إيمانا ، والكافرون والمنافقون شكا وكفرانا ، وكان عيسى ، مع ذلك ، ليس له منزل يأوي إليه ، إنما يسيح في الأرض ليس له قرار ولا موضع يعرف به ، فكان أول ما أحيا من الموتى ، أنه مر ذات يوم على امرأة قاعدة عند قبر وهي تبكي ، فقال لها : ما لك أيتها المرأة ؟ فقالت : ماتت ابنة لي لم يكن لي ولد غيرها ، وإني عاهدت ربي أن لا أبرح من موضعي هذا حتى أذوق ما ذاقت من الموت ، أو يحييها الله لي فأنظر إليها . فقال لها عيسى : أرأيت إن نظرت إليها أراجعة أنت ؟ قالت : نعم . قالوا : فصلى ركعتين ، ثم جاء فجلس عند القبر ، فنادى : يا فلانة قومي بإذن الرحمن فاخرجي . قال : فتحرك القبر ، ثم نادى الثانية ، فانصدع القبر بإذن الله ، ثم نادى الثالثة ، فخرجت وهي تنفض رأسها من التراب ، فقال لها عيسى : ما بطأ بك عني ؟ فقالت : لما جاءتني الصيحة الأولى بعث الله لي ملكا فركب خلقي ، ثم جاءتني الصيحة الثانية ، فرجع إلي روحي ، ثم جاءتني الصيحة الثالثة ، فخفت أنها صيحة القيامة ، فشاب رأسي وحاجباي وأشفار عيني ; من مخافة القيامة . ثم أقبلت على أمها فقالت : يا أمتاه ، ما حملك على أن أذوق كرب الموت مرتين ؟ يا أمتاه ، اصبري واحتسبي ، فلا حاجة لي في الدنيا ، يا روح الله وكلمته ، سل ربي أن يردني إلى الآخرة ، وأن يهون علي كرب الموت . فدعا ربه فقبضها إليه ، واستوت عليها الأرض ، فبلغ ذلك اليهود ، فازدادوا عليه غضبا . قال وهب : بينما عيسى يلعب مع الصبيان إذ وثب غلام على صبي فضربه برجله فقتله فألقاه بين رجلي المسيح متلطخا بالدم ، فانطلقوا به إلى الحاكم في ذلك البلد فقالوا : قتل صبيا ، فسأله الحاكم ، فقال : ما قتلته . فأرادوا أن يبطشوا به ، فقال : إيتوني بالصبي حتى أسأله من قتله ، فتعجبوا من قوله ، وأحضروا عنده القتيل ، فدعا الله فأحياه ، فقال : من قتلك ؟ فقال : قتلني فلان ، يعني الذي قتله . فقال بنو إسرائيل للقتيل : من هذا ؟ قال : هذا عيسى ابن مريم ، ثم مات الغلام من ساعته .

التالي السابق


الخدمات العلمية