وقال تعالى : وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون [ الصف : 6 - 9 ] . إلى أن قال بعد ذلك : يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين [ الصف : 14 ] . فعيسى ، عليه السلام ، هو خاتم أنبياء بني إسرائيل ، وقد قام فيهم خطيبا فبشرهم بخاتم الأنبياء الآتي بعده ، ونوه باسمه ، وذكر لهم صفته ليعرفوه ويتابعوه إذا شاهدوه ; إقامة للحجة عليهم ، وإحسانا من الله إليهم ، كما قال تعالى : الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون [ الأعراف : 157 ] .

قال محمد بن إسحاق : عن خالد بن معدان ، عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا : يا رسول الله ، أخبرنا عن نفسك . قال : دعوة أبي إبراهيم ، وبشرى عيسى ، ورأت أمي حين حملت بي كأنه خرج منها نور أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام وقد روي عن العرباض بن سارية ، وأبي أمامة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا ، وفيه : دعوة أبي إبراهيم ، وبشرى عيسى وذلك أن إبراهيم لما بنى الكعبة قال : ربنا وابعث فيهم رسولا منهم [ البقرة : 129 ] . الآية . ولما انتهت النبوة في بني إسرائيل إلى عيسى ، قام فيهم خطيبا ، فأخبرهم أن النبوة قد انقطعت عنهم ، وأنها بعده في النبي العربي الأمي ، خاتم الأنبياء على الإطلاق ، أحمد ، وهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم ، الذي هو من سلالة إسماعيل بن إبراهيم الخليل ، عليهم السلام . قال الله تعالى : فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين يحتمل عود الضمير إلى عيسى ، عليه السلام ، ويحتمل عوده إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم حرض تعالى عباده المؤمنين على نصرة الإسلام وأهله ، ونصرة نبيه ومؤازرته ومعاونته على إقامة الدين ونشر الدعوة ، فقال : يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله أي : من يساعدني في الدعوة إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله وكان ذلك في قرية يقال لها : الناصرة . فسموا النصارى بذلك . قال الله تعالى : فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة يعني ، لما دعا عيسى بني إسرائيل وغيرهم إلى الله تعالى ، منهم من آمن ومنهم من كفر ، فكان ممن آمن به أهل أنطاكية بكمالهم ، فيما ذكره غير واحد من أهل السير والتواريخ والتفسير ، بعث إليهم رسلا ثلاثة ، أحدهم شمعون الصفا ، فآمنوا واستجابوا ، وليس هؤلاء هم المذكورين في سورة " يس " لما تقدم تقريره في قصة أصحاب القرية ، وكفر آخرون من بني إسرائيل ، وهم جمهور اليهود ، فأيد الله من آمن به على من كفر فيما بعد ، وأصبحوا ظاهرين عليهم قاهرين لهم ، كما قال تعالى : إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة [ آل عمران : 55 ] . الآية . فكل من كان إليه أقرب ، كان غالبا لمن دونه ، ولما كان قول المسلمين فيه هو الحق الذي لا شك فيه ، من أنه عبد الله ورسوله ، كانوا ظاهرين على النصارى الذين غلوا فيه وأطروه ، وأنزلوه فوق ما أنزله الله به ، ولما كان النصارى أقرب في الجملة مما ذهب إليه اليهود فيه ، عليهم لعائن الله ، كان النصارى قاهرين لليهود في أزمان الفترة إلى زمن الإسلام وأهله . والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية