لما ذكر تعالى قصته على الجلية ، وبين أمره ووضحه وشرحه ، قال : ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون كما قال تعالى بعد ذكر قصته ، وما كان من أمره في آل عمران : ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون الحق من ربك فلا تكن من الممترين فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين [ آل عمران : 58 - 63 ] . ولهذا لما قدم وفد نجران وكانوا ستين راكبا ، يرجع أمرهم إلى أربعة عشر منهم ، ويؤول أمر الجميع إلى ثلاثة ، هم أشرافهم وساداتهم ، وهم : العاقب ، والسيد ، وأبو حارثة بن علقمة ، فجعلوا يناظرون في أمر المسيح ، فأنزل الله صدر سورة " آل عمران " في ذلك ، وبين أمر المسيح وابتداء خلقه وخلق أمه من قبله ، وأمر رسوله بأن يباهلهم إن لم يستجيبوا له ويتبعوه ، فلما رأوا عينيها وأذنيها نكصوا ، وامتنعوا عن المباهلة ، وعدلوا إلى المسالمة والموادعة ، وقال قائلهم ، وهو العاقب عبد المسيح : يا معشر النصارى ، لقد علمتم أن محمدا لنبي مرسل ، ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم ، ولقد علمتم أنه ما لاعن قوم نبيا قط ، فبقي كبيرهم ولا نبت صغيرهم ، وإنها للاستئصال منكم إن فعلتم ، فإن كنتم قد أبيتم إلا إلف دينكم والإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم ، فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم . فطلبوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسألوه أن يضرب عليهم جزية ، وأن يبعث معهم رجلا أمينا ، فبعث معهم أبا عبيدة بن الجراح .

والمقصود أن الله تعالى لما بين أمر المسيح ، قال لرسوله : ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون يعني من أنه عبد مخلوق من امرأة من عباد الله ، ولهذا قال : ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون أي لا يعجزه شيء ولا يكرثه ولا يؤوده ، بل هو القدير الفعال لما يشاء . إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون [ يس : 82 ] . وقوله : واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا هو من تمام كلام عيسى لهم في المهد ، أخبرهم أن الله ربه وربهم وإلهه وإلههم ، وأن هذا هو الصراط المستقيم . قال الله تعالى : فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم أي : فاختلف أهل ذلك الزمان ، ومن بعدهم فيه ، فمن قائل من اليهود : إنه ولد زنية . واستمروا على كفرهم وعنادهم ، وقابلهم آخرون في الكفر فقالوا : هو الله . وقال آخرون : هو ابن الله . وقال المؤمنون : هو عبد الله ورسوله ، وابن أمته ، وكلمته ألقاها إلى مريم ، وروح منه . وهؤلاء هم الناجون المثابون ، المؤيدون المنصورون ، ومن خالفهم في شيء من هذه القيود ، فهم الكافرون الظالمون ، الضالون الجاهلون ، وقد توعدهم العلي العظيم الحكيم العليم ، بقوله : فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم .

. عن عبادة بن الصامت ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من شهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن عيسى عبد الله ورسوله ، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ، والجنة حق ، والنار حق - أدخله الله الجنة على ما كان من العمل وعن جنادة ، وزاد : من أبواب الجنة الثمانية أيها شاء .

التالي السابق


الخدمات العلمية