قال بعض الناس : هذا مثل مضروب ولا يلزم أن يكون واقعا . والجمهور أنه أمر قد وقع ، وقوله :
واضرب لهم مثلا يعني لكفار قريش ، في عدم اجتماعهم بالضعفاء والفقراء ، وازدرائهم بهم ، وافتخارهم عليهم كما قال تعالى :
واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون [ يس : 13 ] . والمشهور أن هذين كانا رجلين مصطحبين ، وكان أحدهما مؤمنا والآخر كافرا ، ويقال : إنه كان لكل منهما مال ، فأنفق المؤمن ماله في طاعة الله ومرضاته ابتغاء وجهه ، وأما الكافر فإنه اتخذ له بستانين ، وهما الجنتان المذكورتان في الآية ، على الصفة والنعت المذكور ; فيهما أعناب ، ونخل تحف تلك الأعناب والزروع في خلال ذلك ، والأنهار سارحة هاهنا وهاهنا للسقي والتنزه ، وقد استوسقت فيهما الثمار ، واضطربت فيهما الأنهار ، وابتهجت الزروع والثمار ، وافتخر مالكهما على صاحبه المؤمن الفقير قائلا له :
أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا أي : وأمنع جنابا . ومراده أنه خير منه ، ومعناه ، ماذا أغنى عنك إنفاقك ما كنت تملكه في الوجه الذي صرفته فيه ؟ كان الأولى بك أن تفعل كما فعلت لتكون مثلي . فافتخر على صاحبه
ودخل جنته وهو ظالم لنفسه أي : وهو على غير طريقة مرضية
قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا وذلك لما رأى من اتساع أرضها ، وكثرة مائها وحسن نبات أشجارها ; ولو قد بادت كل واحدة من هذه الأشجار لاستخلف مكانها أحسن منها ، وزروعها دارة لكثرة مياهها . ثم قال :
وما أظن الساعة قائمة فوثق بزهرة الحياة الدنيا الفانية ، وكذب بوجود الآخرة الباقية الدائمة ، ثم قال :
ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا أي : ولئن كان ثم آخرة ومعاد فلأجدن هناك خيرا من هذا . وذلك لأنه اغتر بدنياه ، واعتقد أن الله لم يعطه ذلك فيها إلا لحبه له وحظوته عنده ، كما قال العاص بن وائل فيما قص الله من خبره وخبر خباب بن الأرت في قوله :
أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا [ مريم : 77 ، 78 ] . وقال تعالى إخبارا عن الإنسان إذا أنعم الله عليه
ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى [ فصلت : 50 ] . قال الله تعالى :
فلننبئن الذين كفروا بما عملوا ولنذيقنهم من عذاب غليظ [ فصلت : 50 ] . وقال قارون
إنما أوتيته على علم عندي [ القصص : 78 ] . أي لعلم الله في أني أستحقه . قال الله تعالى :
أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون [ القصص : 78 ] . وقال تعالى :
وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون [ سبأ : 37 ] . وقال تعالى :
أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون [ المؤمنون : 55 ، 56 ] .