وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم الأموال والحلقة فوجد خمسين درعا ، وخمسين بيضة ، وثلاثمائة وأربعين سيفا .

وقال عمر بن الخطاب : يا رسول الله ألا تخمس ما أصبت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا أجعل شيئا جعله الله تعالى لي دون المؤمنين» بقوله : ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى . . [الحشر 7] الآية ،

كهيئة ما وقع فيه السهمان .

وكانت بنو النضير من صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، جعلها حبسا لنوائبه .

وكان ينفق على أهله منها ، كانت خالصة له فأعطى منها من أعطى وحبس ما حبس .

وكان يزرع تحت النخل ، وكان يدخر منها قوت أهله سنة من الشعير والتمر لأزواجه وبني عبد المطلب ، وما فضل جعله في الكراع والسلاح .

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تحول من بني عمرو بن عوف إلى المدينة تحول المهاجرون ، فتنافست فيهم الأنصار ، فما إن ينزلوا عليهم حتى اقترعوا فيهم بالسهمان ، فما نزل أحد من المهاجرين على أحد من الأنصار إلا بقرعة بسهم ، فكان المهاجرون في دور الأنصار وأموالهم .

فلما غنم رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير دعا ثابت بن قيس بن شماس ، فقال : ادع لي قومك ، قال ثابت : الخزرج يا رسول الله ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الأنصار كلها !» فدعا له الأوس والخزرج ، فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحمد الله تعالى وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم ذكر الأنصار وما صنعوا بالمهاجرين وإنزالهم إياهم في منازلهم وإيثارهم على أنفسهم ، ثم قال : «إن أحببتم قسمت بينكم وبين المهاجرين مما أفاء الله تعالى علي من بني النضير ، وكان المهاجرون على ما هم عليه من السكنى في مساكنكم وأموالكم ، وإن أحببتم أعطيتهم وخرجوا من دوركم» . فتكلم سعد بن عبادة وسعد بن معاذ- رضي الله عنهما- وجزاهما خيرا ، فقالا : «يا رسول الله بل تقسمه بين المهاجرين ، ويكونون في دورنا كما كانوا» ، ونادت الأنصار- رضي الله عنهم وجزاهم خيرا- : «رضينا وسلمنا يا رسول الله» .

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اللهم ارحم الأنصار ، وأبناء الأنصار»
.

فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أفاء الله تعالى عليه ، وأعطى المهاجرين ، ولم يعط أحدا من الأنصار من ذلك الفيء شيئا إلا رجلين كانا محتاجين : سهل بن حنيف وأبا دجانة ، وأعطى سعد بن معاذ رضي الله عنه سيف ابن أبي الحقيق ، وكان سيفا له ذكر عندهم .

وذكر البلاذري في كتاب فتوح البلدان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للأنصار : «ليس لإخوانكم من المهاجرين أموال ، فإن شئتم قسمتم هذه وأموالكم بينكم وبينهم جميعا ، وإن شئتم أمسكتم أموالكم وقسمت هذه فيهم خاصة» .

قالوا : بل اقسم هذه فيهم واقسم لهم من أموالنا ما شئت فنزلت : ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة
[الحشر 9] .

قال أبو بكر رضي الله عنه : جزاكم الله يا معشر الأنصار خيرا ، فوالله ما مثلنا ومثلكم إلا كما قال الغنوي- وهو بالغين المعجمة والنون- :


جزى الله عنا جعفرا حين أزلقت بنا نعلنا في الواطئين فزلت     أبوا أن يملونا ولو أمنا
تلاقي الذي يلقون منا لملت

وثبت في " الصحيحين " عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أنه قال : كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم ، مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب ، فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة ، فكان يعزل نفقة أهله سنة ، ثم يجعل ما بقي في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله ، عز وجل .

ثم بين تعالى حكم الفيء ، وأنه للمهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان على منوالهم وطريقتهم ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب

قال الإمام أحمد : حدثنا عارم ، وعفان قالا : حدثنا معتمر سمعت أبي يقول : حدثنا أنس بن مالك ، عن نبي الله صلى الله عليه وسلم أن الرجل كان يجعل له من ماله النخلات ، أو كما شاء الله ، حتى فتحت عليه قريظة والنضير . قال : فجعل يرد بعد ذلك . قال : وإن أهلي أمروني أن آتي النبي صلى الله عليه وسلم فأسأله الذي كان أهله أعطوه أو بعضه ، وكان نبي الله صلى الله عليه وسلم أعطاه أم أيمن أو كما شاء الله . قال : فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فأعطانيهن ، فجاءت أم أيمن فجعلت الثوب في عنقي وجعلت تقول : كلا والله الذي لا إله إلا هو ، لا يعطيكهن وقد أعطانيهن . أو كما قالت . فقال النبي صلى الله عليه وسلم لك كذا وكذا . وتقول : كلا والله . قال : ويقول لك : كذا وكذا . وتقول : كلا والله . قال : ويقول : لك كذا وكذا . حتى أعطاها - حسبت أنه قال - عشرة أمثاله . أو قال : قريبا من عشرة أمثاله . أو كما قال .

التالي السابق


الخدمات العلمية