ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم غاديا إلى خيبر - وكان الله - عز وجل - وعده إياها وهو بالحديبية ، فنزلت عليه سورة الفتح فيما بين مكة والمدينة ، فأعطاه الله - تعالى - فيها خيبر :
وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه [الفتح 20] - خيبر .
قال محمد بن عمر : أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بالخروج فجدوا في ذلك ، واستنفر من حوله ممن شهد الحديبية يغزون معه ، وجاءه المخلفون عنه في غزوة الحديبية ليخرجوا معه رجاء الغنيمة ،
فقال :
«لا تخرجوا معي إلا راغبين في الجهاد ، فأما الغنيمة فلا» .
nindex.php?page=hadith&LINKID=652679قال أنس - رضي الله عنه - : وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي طلحة - رضي الله عنه - حين أراد الخروج إلى خيبر : «التمسوا إلي غلاما من غلمانكم يخدمني» فخرج أبو طلحة مردفي وأنا غلام ، قد راهقت ، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل خدمته - ، فسمعته كثيرا ما يقول : «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وضلع الدين وغلبة الرجال» رواه سعيد بن منصور .
واستخلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المدينة . قال ابن هشام : نميلة أي بضم النون ، وفتح الميم ، وسكون التحتية ، ابن عبد الله الليثي . - كذا قال والصحيح سباع - بكسر السين بن عرفطة - بعين مهملة مضمومة فراء ساكنة ففاء مضمومة ، فطاء مهملة كما رواه الإمام أحمد ، والبخاري في التاريخ الصغير ، وابن خزيمة ، والطحاوي ، والحاكم ، والبيهقي عن أبي هريرة - رضي الله عنهم .
ودفع الراية إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وكانت بيضاء . وأخرج معه أم المؤمنين أم سلمة - رضي الله عنها .
ولما تجهز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس شق على يهود المدينة الذين هم موادعو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعرفوا أنه إن دخل خيبر أهلك أهل خيبر ، كما أهلك بني قينقاع ، والنضير وقريظة . ولم يبق أحد من يهود المدينة له على أحد من المسلمين حق إلا لزمه .
وروى محمد بن عمر عن شيوخه ، وأحمد ، والطبراني عن ابن أبي حدرد بمهملات وزن جعفر - بسند صحيح أنه كان لأبي الشحم اليهودي خمسة دراهم ، ولفظ الطبراني : أربعة دراهم في شعير أخذه لأهله فلزمه . فقال : أجلني فإني أرجو أن أقدم عليك فأقضيك حقك إن شاء الله ، قد وعد الله - تعالى - نبيه أن يغنمه خيبر ، فقال أبو الشحم حسدا وبغيا : أتحسبون أن قتال خيابر مثل ما تلقون من الأعراب ، فيها - والتوراة - عشرة آلاف مقاتل ،
وترافعا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : «أعطه حقه» قال عبد الله : والذي بعثك بالحق ما أقدر عليها قال : أعطه حقه . قال وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قال ثلاثا لم يراجع .
قال عبد الله : فخرجت فبعت أحدا ثوبي بثلاثة دراهم ، وطلبت بقية حقه فدفعت إليه ولبست ثوبي الآخر . وأعطاني ابن أسلم بن حريش بفتح الحاء وكسر الراء وبالشين المعجمة ثوبا آخر .
ولفظ الطبراني : فخرج به ابن أبي حدرد إلى السوق وعلى رأسه عصابة وهو يأتزر بمئزر ، فنزع العمامة عن رأسه فأتزر بها ، ونزع البردة فقال : اشتر مني هذه ، فباعها منه بالدراهم فمرت عجوز فقالت : ما لك يا صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرها ، فقالت : هادونك هذا البرد ، فطرحته عليه ، فخرجت في ثوبين مع المسلمين ، ونفلني الله - تعالى - من خيبر ، وغنمت امرأة بينها وبين أبي الشحم قرابة ، فبعتها منه .
وجاء أبو عبس - بموحدة - ابن جبر - بفتح الجيم وسكون الموحدة ، فقال يا رسول الله ما عندي نفقة ولا زاد ولا ثوب أخرج فيه ، فأعطاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شقة سنبلانية : جنس من الغليظ شبيه بالكرباس .
[
ارتجاز ابن الأكوع ودعاء الرسول له واستشهاده ] قال سلمة : خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى خيبر فسرنا ليلا فقال رجل من القوم لعامر بن الأكوع ألا تسمعنا من هنيهاتك وكان عامر رجلا شاعرا فنزل يحدو بالقوم يقول :
اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا فاغفر فداء لك ما اتقينا
وألقين سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا
إنا إذا صيح بنا أتينا
وبالصياح عولوا علينا
nindex.php?page=hadith&LINKID=941189فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «من هذا السائق ؟ قالوا : عامر بن الأكوع قال : «يرحمه الله» وفي رواية «غفر لك ربك» .
قال : وما استغفر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لإنسان يخصه إلا استشهد .
فقال عمر - وهو على جمل : وجبت يا رسول الله : لولا أمتعتنا بعامر . فقتل يوم خيبر شهيدا ، وكان قتله ، فيما بلغني ، أن سيفه رجع عليه وهو يقاتل ، فكلمه كلما شديدا ، فمات منه ؛ فكان المسلمون قد شكوا فيه ، وقالوا : إنما قتله سلاحه ، حتى سأل ابن أخيه سلمة بن عمرو بن الأكوع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، وأخبره بقول الناس ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه لشهيد ، وصلى عليه ، فصلى عليه المسلمون . قول عامر : اللهم لولا أنت ما اهتدينا ، قال الحافظ في هذا : القسم زحاف الخزم بالمعجمتين ، وهو زيادة سبب خفيف ، وفي الصحيح في الجهاد عن البراء بن عازب : أنه من شعر عبد الله بن رواحة ، فيحتمل أن يكون هو وعامر تواردا على ما توارد عليه بدليل ما وقع لكل منهما مما ليس عند الآخر واستعان عامر ببعض ما سبقه إليه ابن رواحة .
الخامس : استشكل قول عامر : «فداء» بأنه لا يقال في حق الله - تعالى ، إذ معنى «فداء» نفديك بأنفسنا ، فحذف متعلق الفعل للشهرة ، وإنما يتصور الفداء لمن يجوز عليه الفناء ، وأجيب عن ذلك بأنها كلمة لا يراد ظاهرها ، بل المراد بها المحبة والتعظيم ، مع قطع النظر عن ظاهر اللفظ ، وقيل : المخاطب بهذا الشعر النبي - صلى الله عليه وسلم - والمعنى ، لا تؤاخذنا بتقصيرنا في
حقك ونصرك ، وعلى هذا فقوله : «اللهم» لم يقصد به الدعاء ، وإنما افتتح بها الكلام ، والمخاطب بقوله : لولا أنت النبي - صلى الله عليه وسلم - ويعكر عليه قوله بعد ذلك : فأنزلن سكينة علينا :
وثبت الأقدام إن لاقينا ، فإنه دعاء لله ، ويحتمل أن يكون المعنى ، فاسأل ربك أن ينزل ويثبت .
وروى الحارث بن أبي أسامة عن أبي أمامة ، والبيهقي عن ثوبان - رضي الله عنهما -
nindex.php?page=hadith&LINKID=933694أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في غزوة خيبر : «من كان مضعفا أو مصعبا فليرجع» . وأمر بلالا فنادى بذلك ، فرجع ناس ، وفي القوم رجل على صعب ، فمر من الليل على سواد فنفر به فصرعه فلما جاءوا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «ما شأن صاحبكم ؟ » فأخبروه ، فقال : «يا بلال ، ما كنت أذنت في الناس ، من كان مضعفا أو مصعبا فليرجع» ؟ قال : نعم . فأبى أن يصلي عليه . زاد البيهقي ، وأمر بلالا فنادى في الناس «الجنة لا تحل لعاص» ثلاثا .
قال محمد بن عمر :
وبينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الطريق في ليلة مقمرة إذ أبصر رجلا يسير أمامه عليه شيء يبرق في القمر كأنه في شمس وعليه بيضة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
«من هذا» ؟ فقيل : أبو عبس بن جبر فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «أدركوه قال : فأدركوني فحبسوني ، فأخذني ما تقدم وما تأخر ، فظننت أنه قد أنزل في أمر من السماء ، فجعلت أتذكر ما فعلت حتى لحقني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : «ما لك تقدم الناس لا تسير معهم» ؟ قلت : يا رسول الله : إن ناقتي نجيبة ، قال : فأين الشقيقة التي كسوتك» قلت يا رسول الله : بعتها بثمانية دراهم ، فتزودت بدرهمين وتركت لأهلي درهمين ، وابتعت هذه البردة بأربعة دراهم ، فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال : «أنت والله يا أبا عبس وأصحابك من الفقراء والذي نفسي بيده ، لئن سلمتم وعشتم قليلا ليكثرن زادكم ، وليكثرن ما تتركون لأهليكم ولتكثرن دراهمكم وعبيدكم وما ذلك لكم بخير» .
قال أبو عبس : فكان والله كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
nindex.php?page=hadith&LINKID=650202قال سويد بن النعمان - رضي الله عنه - : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما وصل إلى الصهباء - وهي أدنى خيبر - صلى العصر ، ثم دعا بالأزواد ، فلم يؤت إلا بالسويق ، فأمر به فثري فأكل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأكلنا معه ، ثم قام إلى المغرب فمضمض ومضمضنا ثم صلى ولم يتوضأ .
رواه البخاري ، والبيهقي .
زاد محمد بن عمر :
ثم صلى بالناس العشاء ، ثم دعا بالأدلاء فجاء حسيل بن خارجة وعبد الله بن نعيم الأشجعي فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحسيل : يا حسيل :
امض أمامنا حتى تأخذ بنا صدور الأودية حتى تأتي خيبر من بينها وبين الشام ، فأحول بينهم وبين الشام وبين حلفائهم من غطفان» فقال حسيل : أنا أسلك بك ، فانتهى به إلى موضع له طرق ، فقال : يا رسول الله إن لها طرقا تؤتى منها كلها . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «سمها لي» وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب الفأل الحسن والاسم الحسن ، ويكره الطيرة ، والاسم القبيح ، فقال : لها طريق يقال لها حزن ، وطريق يقال لها : شاش ، وطريق يقال لها حاطب ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «لا تسلكها» . قال : لم يبق إلا طريق واحد يقال له : مرحب ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم «اسلكها» . قال ابن إسحاق : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج من المدينة إلى خيبر ، سلك على عصر ، فبني له فيها مسجد ، ثم على الصهباء ، ثم أقبل بجيشه حتى نزل به بواد يقال له : الرجيع . فنزل بينهم وبين غطفان ؛ ليحول بينهم وبين أن يمدوا أهل خيبر - وكانوا لهم مظاهرين على رسول الله صلى الله عليه وسلم - فبلغني أن غطفان لما سمعوا بذلك جمعوا ، ثم خرجوا ليظاهروا اليهود عليه ، حتى إذا ساروا منقلة ، سمعوا خلفهم في أموالهم وأهليهم حسا ، ظنوا ، أن القوم قد خالفوا إليهم ، فرجعوا على أعقابهم ، فأقاموا في أموالهم وأهليهم ، وخلوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين خيبر