[ تطوع بلال للحراسة وغلبة النوم عليه ]

روى مسلم ، وأبو داود عن أبي هريرة . وأبو داود عن ابن مسعود ، وابن إسحاق عن سعيد بن المسيب ، ومحمد بن عمر عن شيوخه قالوا : انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من وادي القرى راجعا بعد أن فرغ من خيبر ووادي القرى ، فلما كان قريبا من المدينة سرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلته حتى إذا كان قبيل الصبح بقليل نزل وعرس ، وقال : ألا رجل صالح حافظ لعينه يحفظ علينا الفجر لعلنا ننام ؟ قال بلال : يا رسول الله أنا أحفظه عليك ، فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقام بلال يصلي ما شاء الله أن يصلي . ثم استند إلى بعيره ، واستقبل الفجر يرقبه ، فغلبته عينه ، فنام ، فلم يستيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أحد من أصحابه حتى ضربتهم الشمس .

وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أول أصحابه هب ، فقال : «ما صنعت بنا يا بلال» ؟ قال : يا رسول الله ، أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك ، قال : «صدقت» ثم اقتاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعيره غير كثير ، ثم أناخ وأناخ الناس فتوضأ ، وتوضأ الناس ، وأمر بلالا فأقام الصلاة ، فلما فرغ ، قال :

إذا نسيتم الصلاة فصلوها إذا ذكرتموها فإن الله عز وجل يقول :
وأقم الصلاة لذكري


[طه 14] . ثم التفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي بكر فقال : " إن الشيطان أتى بلالا وهو قائم يصلي فأضجعه فلم يزل يهدئه كما يهدأ الصبي حتى نام " ، ثم دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالا فأخبره بمثل ما أخبر به أبا بكر وفيه : أن ذلك كان مرجعهم من خيبر .

وفي حديث شعبة ، عن جامع بن شداد ، عن عبد الرحمن بن أبي علقمة ، عن ابن مسعود أن ذلك كان مرجعهم من الحديبية ، ففي رواية عنه أن بلالا هو الذي كان يكلؤهم . وفي رواية أنه هو الذي كان يكلؤهم .

قال الحافظ البيهقي : فيحتمل أن ذلك كان مرتين . قال : وفي حديث عمران بن حصين وأبي قتادة نومهم عن الصلاة ، وفيه حديث الميضأة ، فيحتمل أن ذلك إحدى هاتين المرتين ، أو مرة ثالثة . قال : وذكر الواقدي في حديث أبي قتادة أن ذلك كان مرجعهم من غزوة تبوك . قال : وروى زافر بن سليمان ، عن شعبة ، عن جامع بن شداد ، عن عبد الرحمن ، عن ابن مسعود أن ذلك كان مرجعهم من تبوك . فالله أعلم . وزعم الأصيلي - رحمه الله تعالى - أن حديث نومهم عن الصلاة إنما كان بحنين لا بخيبر ، وأن ذكر خيبر خطأ ، ورد عليه أبو الوليد الباجي ، وأبو عمر فأجادا . وفي فقه هذه القصة

فيها : أن من نام عن صلاة أو نسيها ، فوقتها حين يستيقظ أو يذكرها .

وفيها : أن السنن الرواتب تقضى كما تقضى الفرائض ، وقد قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة الفجر معها ، وقضى سنة الظهر وحدها ، وكان هديه - صلى الله عليه وسلم - قضاء السنن الرواتب مع الفرائض .

وفيها : أن الفائتة يؤذن لها ويقام ، فإن في بعض طرق هذه القصة ، أنه أمر بلالا فنادى بالصلاة ، وفي بعضها فأمر بلالا فأذن وأقام ، ذكره أبو داود .

وفيها : قضاء الفائتة جماعة .

وفيها : قضاؤها على الفور لقوله : "فليصلها إذا ذكرها " ، وإنما أخرها عن مكان معرسهم قليلا ، لكونه مكانا فيه شيطان فارتحل منه إلى مكان خير منه ، وذلك لا يفوت المبادرة إلى القضاء ، فإنهم في شغل الصلاة وشأنها .

وفيها : تنبيه على اجتناب الصلاة في أمكنة الشيطان ، كالحمام والحش بطريق الأولى ، فإن هذه منازله التي يأوي إليها ويسكنها ، فإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ترك المبادرة إلى الصلاة في ذلك الوادي ، وقال : إن به شيطانا ، فما الظن بمأوى الشيطان وبيته .

التالي السابق


الخدمات العلمية