ذكر مروره صلى الله عليه وسلم في ذهابه إلى تبوك بمساكن ثمود وصرحتهم بالحجر .

فعن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مر بالحجر ونزلها استقى الناس من بئرها ، فلما راحوا منها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس : " لا تشربوا من مائها شيئا ، ولا تتوضئوا منه للصلاة ، وما كان من عجين عجنتموه فأعلفوه الإبل ولا تأكلوا منه شيئا ، ولا يخرجن أحد منكم الليلة إلا ومعه صاحب له " . ففعل الناس ما أمرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا رجلين من بني ساعدة ، خرج أحدهما لحاجته ، وخرج الآخر في طلب بعير له ; فأما الذي ذهب لحاجته ، فإنه خنق على مذهبه ، وأما الذي ذهب في طلب بعيره ، فاحتملته الريح حتى ألقته بجبلي طيئ ، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال : " ألم أنهكم أن يخرج رجل إلا ومعه صاحب له ؟ " ثم دعا للذي أصيب على مذهبه فشفي ، وأما الآخر فإنه وصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد مرجعه من تبوك - وفي رواية زياد عن ابن إسحاق أن طيئا أهدته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رجع إلى المدينة وعن ابن عمر قال : " نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس عام تبوك الحجر عند بيوت ثمود ، فاستقى الناس من الآبار التي كانت تشرب منها ثمود ، فعجنوا ونصبوا القدور باللحم ، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهرقوا القدور ، وعلفوا العجين الإبل ، ثم ارتحل بهم حتى نزل بهم على البئر التي كانت تشرب منها الناقة ، ونهاهم أن يدخلوا على القوم الذين عذبوا فقال : إني أخشى أن يصيبكم مثل ما أصابهم فلا تدخلوا عليهم " وهذا الحديث إسناده على شرط " الصحيحين " من هذا الوجه ، ولم يخرجوه.

ففي " الصحيحين " من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تدخلوا على هؤلاء القوم المعذبين إلا أن تكونوا باكين ، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم ، لا يصيبكم مثل ما أصابهم ) . وعن جابر قال : لما مر النبي صلى الله عليه وسلم بالحجر قال : " لا تسألوا الآيات ، فقد سألها قوم صالح فكانت ترد من هذا الفج ، وتصدر من هذا الفج ، فعتوا عن أمر ربهم فعقروها ، وكانت تشرب ماءهم يوما ويشربون لبنها يوما ، فعقروها ، فأخذتهم صيحة ، أهمد الله من تحت أديم السماء منهم ، إلا رجلا واحدا كان في حرم الله " قيل : من هو يا رسول الله ؟ قال : " هو أبو رغال فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه " إسناده صحيح ، ولم يخرجوه. وعن محمد بن أبي كبشة الأنماري عن أبيه قال : لما كان في غزوة تبوك تسارع الناس إلى أهل الحجر يدخلون عليهم ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنودي في الناس : الصلاة جامعة . قال : فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ممسك بعيره وهو يقول : " ما تدخلون على قوم غضب الله عليهم ؟ " فناداه رجل منهم : نعجب منهم يا رسول الله . قال : " أفلا أنبئكم بأعجب من ذلك ؟ رجل من أنفسكم ينبئكم بما كان قبلكم وما هو كائن بعدكم ، فاستقيموا وسددوا ، فإن الله لا يعبأ بعذابكم شيئا ، وسيأتي قوم لا يدفعون عن أنفسهم شيئا " . إسناده حسن ولم يخرجوه .

حب النبي صلى الله عليه وسلم لجبل أحد وثناؤه على دور الأنصار عن أبي حميد الساعدي قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام تبوك حتى جئنا وادي القرى ، فإذا امرأة في حديقة لها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " اخرصوا " . فخرص القوم وخرص رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أوسق ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمرأة : " أحصي ما يخرج منها حتى أرجع إليك إن شاء الله " . قال : فخرج حتى قدم تبوك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنها ستهب عليكم الليلة ريح شديدة ، فلا يقومن فيها رجل ، فمن كان له بعير فليوثق عقاله " . قال أبو حميد فعقلناها ، فلما كان من الليل ، هبت علينا ريح شديدة ، فقام فيها رجل فألقته في جبل طيئ ، ثم جاء رسول الله ملك أيلة ، فأهدى لرسول الله بغلة بيضاء ، وكساه رسول الله بردا ، وكتب له ببحرهم ، ثم أقبل وأقبلنا معه ، حتى جئنا وادي القرى ، فقال للمرأة : " كم جاءت حديقتك ؟ " قالت : عشرة أوسق ، خرص رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني متعجل ، فمن أحب منكم أن يتعجل فليفعل " . قال : فخرج رسول الله وخرجنا معه ، حتى إذا أوفى على المدينة قال : " هذه طابة " . فلما رأى أحدا قال : " هذا أحد يحبنا ونحبه ألا أخبركم بخير دور الأنصار ؟ " قلنا : بلى يا رسول الله . قال : " خير دور الأنصار بنو النجار ، ثم دار بني عبد الأشهل ثم دار بني ساعدة ثم في كل دور الأنصار خير " .

التالي السابق


الخدمات العلمية