[ هدم الطاغية ]

قال ابن إسحاق : فلما فرغوا من أمرهم ، وتوجهوا إلى بلادهم راجعين ، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة ، في هدم الطاغية . فخرجا مع القوم ، حتى إذا قدموا الطائف أراد المغيرة بن شعبة أن يقدم أبا سفيان ، فأبى ذلك أبو سفيان عليه ، وقال : ادخل أنت على قومك ؛ وأقام أبو سفيان بماله بذي الهدم ؛ فلما دخل المغيرة بن شعبة علاها يضربها بالمعول ، وقام قومه دونه ، بنو معتب ، خشية أن يرمى أو يصاب كما أصيب عروة ، وخرج نساء ثقيف حسرا يبكين عليها ويقلن :


لتبكين دفاع أسلمها الرضاع




لم يحسنوا المصاع



قال ابن هشام : لتبكين عن غير ابن إسحاق .

قال ابن إسحاق : ويقول أبو سفيان والمغيرة يضربها بالفأس : واها لك آها لك فلما هدمها المغيرة وأخذ مالها وحليها أرسل إلى أبي سفيان وحليها مجموع ، وما لها من الذهب والجزع . وذكر موسى بن عقبة أن وفد ثقيف كانوا بضعة عشر رجلا ، فلما قدموا أنزلهم رسول الله المسجد ليسمعوا القرآن ، فسألوه عن الربا والزنا والخمر ، فحرم عليهم ذلك كله ، فسألوه عن الربة ما هو صانع بها . قال : " اهدموها " . قالوا : هيهات لو تعلم الربة أنك تريد أن تهدمها قتلت أهلها . فقال عمر بن الخطاب ويحك يا بن عبد ياليل ! ما أجهلك ! إنما الربة حجر . فقالوا : إنا لم نأتك يا بن الخطاب . ثم قالوا : يا رسول الله ، تول أنت هدمها ، أما نحن فإنا لن نهدمها أبدا . فقال : " سأبعث إليكم من يكفيكم هدمها " . فكاتبوه على ذلك ، واستأذنوه أن يسبقوا رسله إليهم ، فلما جاءوا قومهم تلقوهم ، فسألوهم ما وراءكم ؟ فأظهروا الحزن وأنهم إنما جاءوا من عند رجل فظ غليظ ، قد ظهر بالسيف ، يحكم ما يريد وقد دوخ العرب ، قد حرم الربا والزنا والخمر ، وأمر بهدم الربة ، فنفرت ثقيف وقالوا : لا نطيع لهذا أبدا . قال : فأهبوا للقتال وأعدوا السلاح . فمكثوا على ذلك يومين أو ثلاثة ، ثم ألقى الله في قلوبهم الرعب ، فرجعوا وأنابوا ، وقالوا : ارجعوا إليه فشارطوه على ذلك وصالحوه عليه . قالوا : فإنا قد فعلنا ذلك ، ووجدناه أتقى الناس وأوفاهم وأرحمهم وأصدقهم ، وقد بورك لنا ولكم في مسيرنا إليه وفيما قاضيناه عليه ، فافهموا ما في القضية واقبلوا عافية الله . قالوا : فلم كتمتمونا هذا أولا ؟ قالوا : أردنا أن ينزع الله من قلوبكم نخوة الشيطان . فأسلموا مكانهم ، ومكثوا أياما ، ثم قدم عليهم رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أمر عليهم خالد بن الوليد وفيهم المغيرة بن شعبة فعمدوا إلى اللات ، وقد استكفت ثقيف رجالها ونساؤها والصبيان ، حتى خرج العواتق من الحجال ولا يرى عامة ثقيف أنها مهدومة ويظنون أنها ممتنعة فقام المغيرة بن شعبة فأخذ الكرزين - يعني المعول - وقال لأصحابه : والله لأضحكنكم من ثقيف .

فضرب بالكرزين ، ثم سقط يركض برجله ، فارتج أهل الطائف بصيحة واحدة وفرحوا وقالوا : أبعد الله المغيرة قتلته الربة . وقالوا لأولئك : من شاء منكم فليقترب فقام المغيرة فقال : والله يا معشر ثقيف إنما هي لكاع حجارة ومدر ، فاقبلوا عافية الله واعبدوه . ثم إنه ضرب الباب فكسره ثم علا سورها ، وعلا الرجال معه ، فما زالوا يهدمونها حجرا حجرا حتى سووها بالأرض ، وجعل سادنها يقول : ليغضبن الأساس فليخسفن بهم . فلما سمع ذلك المغيرة قال لخالد : دعني أحفر أساسها . فحفروه حتى أخرجوا ترابها وجمعوا ماءها وبناءها ، وبهتت عند ذلك ثقيف ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقسم أموالها من يومه ، وحمدوا الله تعالى على اعتزاز دينه ونصرة رسوله .

التالي السابق


الخدمات العلمية