قال الحافظ- رحمه الله تعالى- : «في ابتداء فرضه ، فقيل : قبل الهجرة ، وهو شاذ ، وقيل : بعدها ثم اختلف في سنته ، فالجمهور على أنها سنة ست ، قلت : وصححه الرافعي في السير ، وشبه عليه في «الروضة» ، ونقله في «المجموع» عن الأصحاب ، وصححه ابن الرفعة ، انتهى . ففرض الحج تأخر إلى سنة تسع أو عشر وأما قوله تعالى : (
وأتموا الحج والعمرة لله ) [ البقرة : 196] ، فإنها وإن نزلت سنة ست عام الحديبية ، فليس فيها فرضية الحج وإنما فيها الأمر بإتمامه وإتمام العمرة بعد الشروع فيهما ، وذلك لا يقتضي وجوب الابتداء فإن قيل : فمن أين لكم تأخير نزول فرضه إلى التاسعة أو العاشرة ؟ قيل : لأن صدر سورة آل عمران نزل عام الوفود ، وفيه قدم وفد نجران على رسول الله صلى الله عليه وسلم وصالحهم على أداء الجزية ، والجزية إنما نزلت عام تبوك سنة تسع وفيها نزل صدر سورة آل عمران ، وناظر أهل الكتاب ودعاهم إلى التوحيد والمباهلة ، ويدل عليه أن أهل مكة وجدوا في نفوسهم على ما فاتهم من التجارة من المشركين لما أنزل الله تعالى : (
ياأيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ) [ التوبة : 28] ، فأعاضهم الله تعالى من ذلك بالجزية . ونزول هذه الآيات ، والمناداة بها ، إنما كان في سنة تسع ، وبعث الصديق يؤذن بذلك في مكة في مواسم الحج ، وأردفه بعلي رضي الله عنه ، وهذا الذي ذكرناه قد قاله غير واحد من السلف . والله أعلم . وقد وقع في قصة ضمام ذكر الأمر بالحج ، وكان قدومه على ما ذكره الواقدي سنة خمس ، وهذا يدل- إن ثبت- على تقدمه على سنة خمس ، أو وقوعه فيها قلت : وبهذا جزم الرافعي في الحج : فرض سنة خمس .
وقال الحافظ- رحمه الله تعالى- إن عكرمة بن خالد المخزومي ، قال : قدمت المدينة في نفر من أهل مكة ، فلقيت عبد الله بن عمر فقلت : إذا لم نحج قط أفنعتمر من المدينة ؟ قال : نعم ، وما يمنعكم من ذلك ؟ فقد
nindex.php?page=hadith&LINKID=886595اعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عمره كلها قبل حجه ، قال : فاعتمر ، رواه الإمام أحمد- بسند صحيح- وهو في البخاري بنحوه .
قال ابن بطال : هذا يدل على أن فرض الحج كان قد نزل على النبي- صلى الله عليه وسلم- قبل اعتماره ، ويتفرع عليه : هل
الحج على الفور ؟ أو التراخي ؟ وهذا يدل أنه على التراخي ، قال أي ابن بطال : كذلك أمر النبي- صلى الله عليه وسلم- أصحابه بفسخ الحج إلى العمرة ، دال على ذلك . انتهى .
قال الحافظ : وقد نوزع في ذلك إذ لا يلزم من صحة تقديم أحد النسكين على الآخر نفي الفورية ، انتهى ، وقيل : فرض سنة ثمان ، وقيل : تسع ، وقيل : عشر حكاها الحافظ في تخريج أحاديث الرافعي .
الثاني : قال العلماء- رحمهم الله تعالى-
فرض الله تعالى الحج على من استطاع إليه سبيلا ، وقد كان السبيل إليه ممنوعا بقوة المشركين .
وأيضا كانوا ينقلون الحج عن وقته ، فقد ذكر أنهم ينقلونه عن حساب الشهور الشمسية ، ويؤخرونه في كل سنة أحد عشر يوما ، فلم توجد الاستطاعة إلا عند فتح مكة سنة ثمان ، فمنع- صلى الله عليه وسلم- من التعجيل به ، أن المشركين لم يكونوا منعوا منه ، لعهود كانت لهم إلى آجال مضروبة ، وكانوا يشركون في تلبيتهم ، ويطوفون عراة ، وقد كان- صلى الله عليه وسلم- أراد أن يحج مقفله من تبوك ، وذلك بأثر الفتح بيسير ، ثم ذكر بقايا المشركين يحجون ، ويطوفون عراة فلم يرد النبي- صلى الله عليه وسلم- سماع إشراكهم في تلبيتهم ولا رؤيتهم عراة ، فأخر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الحج حتى نبذ إلى كل ذي عهد عهده ، وذلك في السنة التاسعة فحج بالمسلمين كما قال الماوردي في الحاوي في «باب السير» سير الفتح- عتاب بن أسيد بوزن أمير الذي أمره رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على مكة- رضي الله تعالى عنه- فلما كان وقت الحج حج المسلمون والمشركون ، وكان المسلمون بمعزل يدفع بهم عتاب بن أسيد ، ويقف بهم ، لأنه أمير البلد .
وفي السنة الثانية وهي سنة تسع حج بهم أبو بكر- رضي الله تعالى عنه- وأرسل معه- صلى الله عليه وسلم- علي بن أبي طالب ، فنادى في الناس بنبذ العهد كما في سورة براءة ، وأنه لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، فلما زالت رسوم الشرك ، وسير الجاهلية حج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حجة الوداع سنة عشر ، وقال فيها :
nindex.php?page=hadith&LINKID=660187«إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض» .