( تقديمه صلى الله عليه وسلم الضعفة من أهله بالليل فيقفون بالمزدلفة ويدعون ويقدم إذا غاب القمر )

وأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة ، قلت : عند السحر لمن استأذنه من أهل الضعف من الذرية والنساء ، ومنهن سودة وأم حبيبة أن يتقدموا إلى منى قبل حطمة الناس ، وذلك طلوع الفجر ، وكان ذلك عند غيبوبة القمر .

وأمرهم ألا يرموا الجمرة حتى تطلع الشمس ، ورمى من النساء أسماء بنت أبي بكر ، وأم سلمة قبل الفجر . قال في البداية فكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أمر الغلمان بأن لا يرموا قبل طلوع الفجر ، وأذن للظعن في الرمي قبل طلوع الشمس لأنهن أثقل حالا ، وأبلغ في الستر .

وفي حديث ابن عباس- قدمنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أغيلمة بني عبد المطلب على نساء محمد يلطح أفخاذنا ويقول : «أبني لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس» رواه أحمد

وجئت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ببقية نسائه حتى يدفعن معه حين يصبح . وقال أبو داود : ثنا هارون بن عبد الله ، ثنا ابن أبي فديك ، عن الضحاك - يعني ابن عثمان - عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة أنها قالت : أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم سلمة ليلة النحر ، فرمت الجمرة قبل الفجر ، ثم مضت فأفاضت ، وكان ذلك اليوم الذي يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال أبو داود : يعني عندها . وقال البخاري : ثنا أبو نعيم ، ثنا أفلح بن حميد ، عن القاسم ، عن محمد ، عن عائشة قالت : نزلنا المزدلفة ، فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم سودة أن تدفع قبل حطمة الناس ، وكانت امرأة بطيئة ، فأذن لها ، فدفعت قبل حطمة الناس ، وأقمنا نحن حتى أصبحنا ، ثم دفعنا بدفعه ، فلأن أكون استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما استأذنت سودة أحب إلي من مفروح به . وقال البخاري : ثنا مسدد ، عن يحيى ، عن ابن جريج قال : حدثني عبد الله مولى أسماء ، عن أسماء أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلفة ، فقامت تصلي ، فصلت ساعة ، ثم قالت : يا بني هل غاب القمر ؟ قلت : لا . فصلت ساعة ثم قالت : هل غاب القمر ؟ قلت : نعم . قالت : فارتحلوا . فارتحلنا فمضينا حتى رمت الجمرة ، ثم رجعت فصلت الصبح في منزلها فقلت لها : يا هنتاه ، ما أرانا إلا قد غلسنا . فقالت : يا بني ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن للظعن . ولا تعارض بين هذه الأحاديث ، فإنه أمر الصبيان أن لا يرموا الجمرة حتى تطلع الشمس ، فإنه لا عذر لهم في تقديم الرمي ، أما من قدمه من النساء فرمين قبل طلوع الشمس للعذر ، والخوف عليهن من مزاحمة الناس وحطمهم ، وهذا الذي دلت عليه السنة ، جواز الرمي قبل طلوع الشمس للعذر بمرض ، أو كبر يشق عليه مزاحمة الناس لأجله ، وأما القادر الصحيح فلا يجوز له ذلك .

وفي المسألة ثلاثة مذاهب ، أحدها : الجواز بعد نصف الليل مطلقا للقادر والعاجز ، كقول الشافعي وأحمد - رحمهما الله -.

والثاني : لا يجوز إلا بعد طلوع الفجر كقول أبي حنيفة - رحمه الله - .

والثالث : لا يجوز لأهل القدرة إلا بعد طلوع الشمس ، كقول جماعة من أهل العلم . والذي دلت عليه السنة ، إنما هو التعجيل بعد غيبوبة القمر ، لا نصف الليل ، وليس مع من حده بالنصف دليل والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية