عن المغيرة بن عتيبة ، وكان قاضي أهل الكوفة ، قال : فرق خالد مخرجه من اليمامة إلى العراق ، جنده ثلاث فرق ، ولم يحملهم على طريق واحدة ، فسرح المثنى قبله بيومين ودليله ظفر ، وسرح عدي بن حاتم وعاصم بن عمرو ودليلاهما مالك بن عباد وسالم بن نصر ، أحدهما قبل صاحبه بيوم ، وخرج خالد - يعني في آخرهم - ودليله رافع ، فواعدهم جميعا الحفير ليجتمعوا به ، ويصادموا عدوهم ، وكان فرج الهند أعظم فروج فارس شأنا وأشدها شوكة ، وكان صاحبه يحارب العرب في البر ، والهند في البحر ، وهو هرمز ، فكتب إليه خالد ، فبعث هرمز بكتاب خالد إلى شيرى بن كسرى ، وأردشير بن شيرى ، وجمع هرمز وهو نائب كسرى ، جموعا كثيرة ، وسار بهم إلى كاظمة ، وعلى مجنبتيه قباذ وأنوشجان - وهما من بيت الملك - وقد تقرن الجيش في السلاسل ; لئلا يفروا ، وكان هرمز هذا من أخبث الناس طوية وأشدهم كفرا ، وكان شريفا في الفرس ، وكان الرجل كلما ازداد شرفا زاد في حليته ، فكانت قلنسوة هرمز بمائة ألف ، وقدم خالد ومن معه من الجيش ، وهم ثمانية عشر ألفا فنزل تجاههم على غير ماء ، فشكى إليه أصحابه ذلك ، فقال : جالدوهم حتى تجلوهم عن الماء ، فإن الله جاعل الماء لأصبر الطائفتين . فلما استقر بالمسلمين المنزل وهم ركبان على خيولهم ، بعث الله سحابة فأمطرتهم حتى صار لهم غدران من ماء ، فقوي المسلمون بذلك ، وفرحوا فرحا شديدا ، فلما تواجه الصفان وتقابل الفريقان ، ترجل هرمز ودعا إلى البراز ، فترجل خالد وتقدم إلى هرمز ، فاختلفا ضربتين واحتضنه خالد ، وجاءت حامية هرمز فما شغله عن قتله ، وحمل القعقاع بن عمرو على حامية هرمز فأناموهم ، وانهزم أهل فارس ، وركب المسلمون أكتافهم إلى الليل ، واستحوذ خالد على أمتعتهم وسلاحهم ، فبلغ وقر ألف بعير ، وسميت هذه الغزوة ذات السلاسل ; لكثرة من سلسل بها من فرسان فارس ، وأفلت قباذ وأنوشجان . ولما رجع الطلب نادى منادي خالد بالرحيل ، فسار بالناس وتبعته الأثقال حتى نزل بموضع الجسر الأعظم من البصرة اليوم ، وبعث بالفتح والبشارة والخمس ، مع زر بن كليب ، إلى الصديق ، وبعث معه بفيل ، فلما رآه نسوة أهل المدينة جعلن يقلن : أمن خلق الله هذا أم شيء مصنوع ؟ ! فرده الصديق مع زر ، وبعث أبو بكر لما بلغه الخبر إلى خالد ، فنفله سلب هرمز ، وكانت قلنسوته بمائة ألف ، وكانت مرصعة بالجوهر ، وبعث خالد الأمراء يمينا وشمالا يحاصرون حصونا هنالك ، ففتحوها عنوة وصلحا ، وأخذوا منها أموالا جمة ، ولم يكن خالد يتعرض للفلاحين - من لم يقاتل منهم - ولا لأولادهم ، بل للمقاتلة من أهل فارس .
التالي
السابق