ثم كانت
وقعة أليس في صفر أيضا ، وذلك أن خالدا كان قد قتل يوم الولجة طائفة من بكر بن وائل ، من نصارى العرب ممن كان مع الفرس ، فاجتمع عشائرهم ، وأشدهم حنقا عبد الأسود العجلي ، وكان قد قتل له ابن بالأمس ، فكاتبوا الأعاجم فأرسل إليهم أردشير جيشا مددا ، فاجتمعوا بمكان يقال له : أليس . فبينما هم قد نصبوا لهم سماطا فيه طعام يريدون أكله ، إذ غافلهم خالد بجيشه ، فلما رأوه أشار من أشار منهم بأكل الطعام وعدم الاعتناء بخالد ، وقال أمير كسرى ، واسمه جابان : بل ننهض إليه . فلم يسمعوا منه . فلما نزل خالد تقدم بين يدي جيشه ونادى بأعلى صوته لشجعان من هنالك من الأعراب : أين فلان ، أين فلان ؟ فكلهم نكلوا عنه إلا رجلا يقال له : مالك بن قيس ، من بني جذرة ، فإنه برز إليه ، فقال له خالد : يا ابن الخبيثة ، ما جرأك علي من بينهم وليس فيك وفاء ؟ ! فضربه فقتله . ونفرت الأعاجم عن الطعام ، وقاموا إلى السلاح ، فاقتتلوا قتالا شديدا جدا ، والمشركون يرقبون قدوم بهمن مددا من جهة الملك إليهم ، فهم في قوة وشدة وكلب في القتال ، وصبر المسلمون صبرا بليغا ، وقال خالد : اللهم لك علي إن منحتنا أكتافهم أن لا أستبقي منهم أحدا أقدر عليه حتى أجري نهرهم بدمائهم . ثم إن الله ، عز وجل ، منح المسلمين أكتافهم ، فنادى منادي خالد : الأسر ، الأسر ، لا تقتلوا إلا من امتنع من الأسر . فأقبلت الخيول بهم أفواجا يساقون سوقا ، وقد وكل بهم رجالا يضربون أعناقهم في النهر ، ففعل ذلك بهم خالد يوما وليلة ، ويطلبهم في الغد ومن بعد الغد ، وكلما حضر منهم أحد ضربت عنقه في النهر ، وقد صرف ماء النهر إلى موضع آخر ، فقال له بعض الأمراء : إن النهر لا يجري بدمائهم حتى ترسل الماء على الدم فيجري معه ، فتبر يمينك . فأرسله فسال النهر دما عبيطا ، فلذلك سمي نهر الدم ، إلى اليوم ، فدارت الطواحين بذلك الماء المختلط بالدم العبيط ما كفى العسكر بكماله ثلاثة أيام ، وبلغ عدد القتلى سبعين ألفا ، ولما هزم خالد الجيش ورجع من رجع من الناس ، عدل خالد إلى الطعام الذي كانوا قد وضعوه ليأكلوه ، فقال للمسلمين : هذا نفل فانزلوا فكلوا . فنزل الناس فأكلوا عشاء . وقد جعل الأعاجم على طعامهم جردقا كثيرا ، فجعل من يراه من أهل البادية من الأعراب يقولون : ما هذه الرقع ؟ يحسبونها ثيابا . فيقول لهم من يعرف ذلك من أهل الأرياف والمدن : أما سمعتم برقيق العيش ؟ قالوا : بلى . قالوا : فهذا رقيق العيش . فسموه يومئذ رقاقا ، وإنما كانت العرب تسميه القرن .
وقد قال سيف بن عمر عن عمرو بن محمد ، عن الشعبي ، عمن حدث عن خالد ،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفل الناس يوم خيبر الخبز والطبيخ والشواء وما أكلوا غير ذلك ، غير متأثليه .