فصل خالد يحاصر الخورنق والسدير والنجف .

ثم سار خالد فنزل الخورنق والسدير والنجف ، وبث سراياه ها هنا وها هنا ، يحاصرون الحصون من الحيرة ، ويستنزلون أهلها قسرا وقهرا ، وصلحا ويسرا ، وكان في جملة من نزل بالصلح قوم من نصارى العرب ، فيهم ابن بقيلة المتقدم ذكره ، وكتب لأهل الحيرة كتاب أمان ، فكان الذي راوضه عليه عمرو بن عبد المسيح بن بقيلة.

وقال سيف بن عمر ، عن عمرو بن محمد ، عن الشعبي : لما افتتح خالد الحيرة صلى ثماني ركعات بتسليمة واحدة . وقد قال القعقاع بن عمرو في هذه الأيام ومن قتل من المسلمين بها وأيام الردة :


سقى الله قتلى بالفرات مقيمة وأخرى بأثباج النجاف الكوانف     ونحن وطئنا بالكواظم
هرمزا وبالثني قرني قارن

بالجوارف ويوم أحطنا بالقصور تتابعت     على
الحيرة الروحاء إحدى المصارف حططناهم منها وقد كان عرشهم     يميل بهم فعل الجبان المخالف
رمينا عليهم بالقبول وقد رأوا     غبوق المنايا حول تلك المحارف
صبيحة قالوا نحن قوم تنزلوا     إلى الريف من أرض العريب المقانف


صلح ابن صلويا خالدا على بانقيا وباروسما وما حولها

قال سيف بأسانيده : ثم جاء ابن صلوبا فصالح خالدا على بانقيا وباروسما وما حول ذلك على عشرة آلاف دينار ، وجاءه دهاقين تلك البلاد فصالحوه على بلدانهم وأهاليهم ، كما صالح أهل الحيرة على الحيرة ، واتفق في تلك الأيام - التي كان خالد قد تمكن بأطراف العراق ، واستحوذ على الحيرة وتلك البلدان وأوقع بأهل أليس والثني وما بعدها بفارس ومن تأشب معهم ، ما أوقع من القتل الفظيع في فرسانهم - أن عدت فارس على ملكهم الأكبر أردشير وابنه شيرى ، فقتلوهما وقتلوا كل من ينتسب إليهما ، وبقيت الفرس حائرين لمن يولونه أمرهم ؟ واختلفوا فيما بينهم ، غير أنهم قد جهزوا جيوشا تكون حائلة بين خالد وبين المدائن التي فيها إيوان كسرى وسرير مملكته ، فحينئذ كتب خالد إلى من هنالك من المرازبة والأمراء والوزراء والدولة ، يدعوهم إلى الله وإلى الدخول في دين الإسلام ; ليثبت ملكهم عليهم ، وإلا فليدفعوا الجزية ، وإلا فليعلموا وليستعدوا لقدومه عليهم بقوم يحبون الموت كما يحبون هم الحياة ، فجعلوا يعجبون من جرأة خالد وشجاعته ، ويسخرون من ذلك لحماقتهم ورعونة بهم في أنفسهم ، وقد أقام خالد هنالك بعد صلح الحيرة سنة يتردد في بلاد فارس ها هنا وها هنا ، ويوقع بأهلها من البأس الشديد ، والسطوة الباهرة ، ما يبهر الأبصار لمن شاهد ذلك ، ويشنف أسماع من بلغه ذلك ، ويحير العقول لمن تدبره .

التالي السابق


الخدمات العلمية