فتح حمص وبعلبك وغيرهما لما وصل أبو عبيدة في اتباعه الروم المنهزمين إلى حمص ، نزل حولها يحاصرها ، ولحقه خالد بن الوليد ، فحاصروها حصارا شديدا ، وذلك في زمن البرد الشديد ، وصابر أهل البلد ; رجاء أن يصرفهم عنهم شدة البرد ، وصبر الصحابة صبرا عظيما ، وكان هرقل قد أرسل إلى أهل حمص يعدهم المدد ، وأمر أهل الجزيرة جميعها بالتجهيز إلى حمص فساروا نحو الشام ليمنعوا حمص عن المسلمين . فسير سعد بن أبي وقاص السرايا من العراق إلى هيت وحصروها ، وسار بعضهم إلى قرقيسيا ، فتفرق أهل الجزيرة وعادوا عن نجدة أهل حمص ، فكان أهلها يقولون : تمسكوا بمدينتكم فإنهم حفاة ، فإذا أصابهم البرد تقطعت أقدامهم . فكانت أقدام الروم تسقط ولا يسقط للمسلمين إصبع . وقد ذكر غير واحد أن من الروم من كان يرجع وقد سقطت رجله وهي في الخف ، والصحابة ليس في أرجلهم شيء سوى النعال ، ومع هذا لم يصب منهم قدم ولا أصبع أيضا ، ولم يزالوا كذلك حتى انسلخ فصل الشتاء فاشتد الحصار ، وأشار بعض كبار أهل حمص عليهم بالمصالحة ، فأبوا عليه ذلك وقالوا : أنصالح والملك منا قريب ؟ فيقال : إن الصحابة كبروا في بعض الأيام تكبيرة ارتجت منها المدينة حتى تفطرت منها بعض الجدران ، ثم تكبيرة أخرى فسقطت بعض الدور ، فجاءت عامتهم إلى خاصتهم فقالوا : ألا تنظرون إلى ما نزل بنا ، وما نحن فيه ؟ ألا تصالحون القوم عنا ؟ قال : فصالحوهم على ما صالحوا عليه أهل دمشق ; على نصف المنازل ، وضرب الخراج على الأراضي ، وأخذ الجزية على الرقاب بحسب الغنى والفقر ، وبعث أبو عبيدة بالأخماس والبشارة إلى عمر مع عبد الله بن مسعود . وأنزل أبو عبيدة بحمص جيشا كثيفا يكون بها ، مع جماعة من الأمراء منهم بلال والمقداد ، وكتب أبو عبيدة إلى عمر يخبره بأن هرقل قد قطع الماء إلى الجزيرة ، وأنه يظهر تارة ويخفى أخرى . فبعث إليه عمر أن أقم بمدينتك وارع أهل القوة من عرب الشام ، فإني غير تارك البعثة إليك .

ثم استخلف أبو عبيدة على حمص عبادة بن الصامت ، وفتح المسلمون اللاذقية جلا أهل جبلة من الروم عنها ، فلما كان زمن معاوية بنى حصنا خارج الحصن الرومي وشحنه بالرجال .

وفتح المسلمون مع عبادة بن الصامت أنطرطوس ، وكان حصينا ، فجلا عنه أهله ، فبنى معاوية مدينة أنطرطوس ، ومصرها ، وأقطع بها القطائع للمقاتلة ، وكذلك فعل ببانياس

وفتحت سلمية أيضا ، وقيل : إنما سميت سلمية لأنه كان بقربها مدينة تدعى المؤتفكة انقلبت بأهلها ولم يسلم منهم غير مائة نفس ، فبنوا لهم مائة منزل ، وسميت سلم مائة ، ثم حرف الناس فقالوا : سلمية ، وهذا يتمشى لقائله لو كان أهلها عربا ولسانهم عربيا ، وأما إذ كان لسانهم أعجميا فلا يسوغ هذا القول . ثم إن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس اتخذها دارا وبنى [ و ] ولده فيها ومصروها ، ونزلها من نزلها من ولده ، فهي وأرضوها لهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية