سنة سبع عشرة
عمر عزل سعد بن أبي وقاص عن الكوفة
لأن قوما من بني أسد من أهل الكوفة تكلموا على سعد وقالوا: اعفنا منه ، فبعث عمر من يسأل أهل الكوفة عنه ، فقالوا: لا نعلم عنه إلا خيرا ، وسكت قوم فلم ينطقوا بشيء . وقال رجل يقال له أسامة: إنه لا يقسم بالسوية .
وقيل: إنما عزله في سنة عشرين ، وقيل: بل في سنة اثنتين وعشرين ، فعزله وأمر أبا موسى الأشعري ، فشكوا منه ، فصرفه إلى البصرة ، وأمر عليهم المغيرة .
فعن عبد الملك بن عمير ، [عن جابر بن سمرة] ، قال: شكى أهل الكوفة سعدا إلى عمر فقالوا: لا يحسن أن يصلي ، فذكر عمر له ذلك ، فقال: أما صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقد كنت أصلي بهم أركد في الأولتين وأحذف في الآخرتين ، فقال: ذاك الظن بك يا أبا إسحاق ، فأرسل معه رجلا -أو رجالا- يسأل عنه أهل الكوفة ، ولم يدع مسجدا إلا سأل عنه ، ويقنون عنه معروفا حتى دخل مسجدا لبني عبس ، فقام رجل منهم يقال له أسامة بن قتادة ، فقال: "أما إذ نشدتنا ، فإن سعدا كان لا يسير بالسوية ، ولا يعدل في القضية ، فقال سعد: أما والله لأدعون بثلاث: اللهم إن كان عبدك هذا كاذبا قام رياء وسمعة فأطل عمره ، وأطل فقره ، وعرضه للفتن ، فكان بعد ذلك أسامة إذا سئل يقول:
شيخ كبير مفتون ، أصابتني دعوة سعد" .
قال عبد الملك : فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر] ، وإنه ليتعرض للجواري في الطريق يغمزهن .
وقيل عزله عنها وولى عليها عبد الله بن عبد الله بن عتبان ، وكان نائب سعد . وقيل : بل ولاها عمرو بن ياسر . وقال سعد في هذه القضية : لقد أسلمت خامس خمسة ، ولقد كنا وما لنا طعام إلا ورق الحبلة حتى تقرحت أشداقنا ، وإني
لأول رجل رمى بسهم في سبيل الله ، ولقد جمع لي رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يوم أحد أبويه وما جمعهما لأحد قبلي ، ثم أصبحت بنو أسد يقولون : لا يحسن يصلي . وفي رواية : تعزرني على الإسلام ، لقد خبت إذا وضل عملي . ثم قال عمر لسعد : من استخلفت على الكوفة ؟ فقال : عبد الله بن عبد الله بن عتبان . فأقره عمر على نيابته الكوفة - وكان شيخا كبيرا من أشراف الصحابة ، حليفا لبني الحبلى من الأنصار - واستمر سعد معزولا من غير عجز ولا خيانة ، وتهدد أولئك النفر ، وكاد يوقع بهم بأسا ، ثم ترك ذلك خوفا من أن لا يشكو أحد أميرا .