وفي سنة إحدى وعشرين ولى عمر عمار بن ياسر على الكوفة بدل زياد بن حنظلة الذي ولاه بعد عبد الله بن عبد الله بن عتبان ، وجعل عبد الله بن مسعود على بيت المال. وعثمان بن حنيف مساحة الأرض .
فعن حارثة بن مصرف قال: قرئ علينا كتاب عمر بن الخطاب : أما بعد ، فإني قد بعثت إليكم عمار بن ياسر أميرا ، وابن مسعود معلما ووزيرا ، وجعلت ابن مسعود على بيت مالكم ، وإنهما لمن النجباء من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، من أهل بدر ، فاسمعوا لهما ، وأطيعوا ، واقتدوا بهما ، وقد آثرتكم بابن أم عبد على نفسي ، وبعثت عثمان بن حنيف على السواد ، ورزقتهما كل يوم شاة ، فاجعلوا شطرها وبطنها لعمار -وفي رواية أخرى: ووليت حذيفة بن اليمان ما سقت دجلة ، ووليت عثمان بن حنيف الفرات وما سقى أذربيجان ، فاجعلوا الشطر الثاني بين هؤلاء الثلاثة- . وعن أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت] قال: بعث عمر بن الخطاب رضي الله عنه عثمان بن حنيف إلى العراق عاملا ، وأمره بمساحة سقي الفرات ، فمسح الكور والطساسيج بالجانب الغربي من دجلة ، وكان كور فيروز -وهي طسوج الأنبار- وكان أول السواد شربا من الفرات ، ثم طسوج مسكن ، وهو أول حدود السواد في الجانب الغربي من دجلة وشربه من دجيل ، ويتلوه طسوج قطربل ، وشربه أيضا من دجيل ، ثم طسوج بادرويا ، وهو طسوج مدينة السلام ، وكان أجل طساسيج السواد جميعا ، وكان كل طسوج يتقلده فيما يقدم عامل واحد سوى طسوج بادرويا ، فإنه كان يتقلده عاملان لجلالته وكثرة ارتفاعه ، ولم يزل خطيرا عند الفرس ومقدما على ما سواه ، وورد عثمان بن حنيف المدائن في حال ولايته .
وعن أبي مجلز : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعث عمار بن ياسر إلى أهل الكوفة على صلاتهم وجيوشهم ، وعبد الله بن مسعود على قضائهم وبيت مالهم ، وعثمان بن حنيف على مساحة الأرض ، ثم فرض لهم في كل يوم شاة ، شطرها وسواقطها لعمار ، والشطر الآخر بين هذين الرجلين ، ثم قال: ما أرى قرية يؤخذ منها كل يوم شاة إلا سريعا في خرابها . قال: ومسح عثمان بن حنيف الأرض فجعل على جريب الكرم عشرة دراهم ، وعلى جريب النخل خمسة دراهم ، وعلى جريب القصب ستة دراهم ، وعلى جريب البر أربعة دراهم ، وعلى جريب الشعير درهمين .
وعن الشعبي : أن عمر رضي الله عنه بعث عثمان بن حنيف فمسح السواد ، فوجده ستة وثلاثين ألف ألف جريب ، فوضع على كل جريب درهما وقفيزا .
قال أبو عبيد: وأرى هذا الحديث هو المحفوظ . حد السواد ويقال: إن حد السواد الذي وقعت عليه المساحة من لدن تخوم الموصل مادا من الماء إلى ساحل البحرين من بلاد عبادان وشرقي دجلة ، هذا طوله . وأما عرضه: فحده منقطع الجبل من أرض حلوان إلى منتهى طرف القادسية المتصل بالعذيب من أرض العرب ، فهذا حدود السواد ، وعليها الخراج وقع .
وفي رواية أبي مجلز قال:
بعث عمر بن الخطاب عثمان بن حنيف على خراج السواد ، ورزقه كل يوم ربع شاة وخمسة دراهم ، وأمره أن يمسح السواد عامره وغامره ، ولا يمسح سبخه ولا تلاله ولا أجمه ، ولا مستنقع ماء ، وما لا يبلغه الماء ، فمسح كل شيء دون الجبل -يعني جبل حلوان- إلى أرض العرب وهو أسفل الفرات ، وكتب إلى عمر: إني وجدت كل شيء بلغه الماء من عامر وغامر ستة وثلاثين ألف ألف جريب ، وكان ذراع عمر الذي مسح به السواد ذراعا وقبضة ، والإبهام مضجعة . وكتب إليه عمر: أن أفرض على كل جريب عامر أو غامر ، عمله صاحبه أو لم يعمله درهما وقفيزا ، وفرض على الكروم كل جريب عشرة دراهم ، وعلى الرطاب خمسة دراهم ، وأطعمهم النخل والشجر ، فقال: هذا قوة لهم على عمارة بلادهم ، وفرض على رقاب أهل الذمة على الموسر ثمانية وأربعين درهما ، وعلى من دون ذلك أربعة وعشرين ، وعلى من لا يجد اثني عشر درهما ، فحمل من خراج سواد الكوفة إلى عمر في أول سنة ستة وثمانون ألف ألف درهم ، وحمل من قابل عشرون ومائة ألف ألف درهم ، فلم يزل على ذلك .
قال ابن الجوزي: وقد ذكرنا أن مقدار هذا الطول مائة وخمسة وعشرون فرسخا ، وقدر العرض ثمانون فرسخا ، فجبى السواد مائة ألف ألف وثمانية وعشرين ألف ألف ، وجباه عمر بن عبد العزيز مائة ألف ألف درهم ، وأربعة وعشرين ألف ألف درهم بعد أن جباه الحجاج بظلمه وعسفه مائة ألف ألف وثمانية عشر ألف ألف درهم ، وكان الحجاج قد منع ذبح البقر ليكثر الحرث . فقال الشاعر:
شكونا إليه خراب السواد فحرم فينا لحوم البقر
وقد كان هذا السواد يجبي في زمان الأكاسرة مائة ألف ألف وخمسين ألف ألف درهم. خراج مصر أيام فرعون وكان خراج مصر في أيام فرعون ستة وتسعين ألف ألف دينار ، فجباها عبد الله بن الحبحاب في أيام بني أمية ألفي ألف وسبع مائة ألف وثلاثة وعشرين ألفا وثمانمائة وسبع دنانير ، وحمل منها عيسى بن موسى في أيام بني العباس ألفي ألف ومائة ألف وثمانين ألف دينار .
وإنما سمي سوادا لأن العرب حين جاءوا نظروا إلى مثل الليل من النخل والشجر والماء فسموه سوادا .
خراج فارس وذكر بعض أهل العلم أن الفرس كانت تجبي خراج فارس أربعين ألف ألف مثقال ، لأنها بلاد ضيقة ، وتجبي كرمان -لكثرة عيونها وقنبها- ستين ألف ألف مثقال ، لأنها كثيرة العيون ، وتجبي خوزستان خمسين ألف ألف درهم ، والسواد مائة ألف ألف وخمسين ألف ألف درهم ، والجبل والري إلى حلوان ثلاثين ألف ألف سوى خراسان ، ويخففون الخراج على الأطراف .
خراج مصر وذكر بعض العلماء أنه كان خراج مصر ألف ألف وسبعمائة ألف دينار ، وخراج قنسرين والعواصم أربعمائة ألف دينار ، وخراج الموصل أربعة آلاف ألف دينار ، وثلاثة وعشرين ألف دينار .
عزل عمار بن ياسر عن الكوفة وولاية أبي موسى والمغيرة بن شعبة وقد اشتكى أهل الكوفة من عمار ، وقالوا له : إنه لا يحتمل ما هو فيه وإنه ليس بأمين ، ونزا به أهل الكوفة . فدعاه عمر ، فخرج معه وفد يريد أنهم معه ، فكانوا أشد عليه ممن تخلف عنه ، وقالوا : إنه غير كاف وعالم بالسياسة ، ولا يدري على ما استعملته . وكان منهم سعد بن مسعود الثقفي - عم المختار - ، وجرير بن عبد الله ، فسعيا به ، فعزله عمر . وقال عمر لعمار : أساءك العزل ؟ قال : ما سرني حين استعملت ولقد ساءني حين عزلت . فقال له : قد علمت ما أنت بصاحب عمل ، ولكني تأولت :
ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين .
ثم أقبل عمر على أهل الكوفة فقال : من تريدون ؟ قالوا : أبا موسى . فأمره عليهم بعد عمار . فأقام عليهم سنة فباع غلامه العلف ، فشكاه الوليد بن عبد شمس وجماعة معه وقالوا : إن غلامه يتجر في جسرنا ، فعزله عنهم وصرفه إلى البصرة . وصرف عمر بن سراقة إلى الجزيرة .
وخلا عمر في ناحية المسجد فنام ، فأتاه المغيرة بن شعبة فحرسه حتى استيقظ ، فقال : ما فعلت هذا يا أمير المؤمنين إلا من عظيم . فقال : وأي شيء أعظم من مائة ألف لا يرضون عن أمير ولا يرضى عنهم أمير ؟ وأحيطت الكوفة على مائة ألف مقاتل . وأتاه أصحابه فقالوا : ما شأنك ؟ فقال : إن أهل الكوفة قد عضلوني . واستشارهم فيمن يوليه . وقال : ما تقولون في تولية رجل ضعيف مسلم أو رجل قوي مسدد ؟ فقال المغيرة : أما الضعيف المسلم فإن إسلامه لنفسه وضعفه عليك ، وأما القوي المسدد فإن سداده لنفسه وقوته للمسلمين . فولى المغيرة الكوفة ، فبقي عليها حتى مات عمر ، وذلك نحو سنتين وزيادة . وقال له حين بعثه : يا مغيرة ليأمنك الأبرار ، وليخفك الفجار . ثم أراد عمر أن يبعث سعدا على عمل المغيرة ، فقتل عمر قبل ذلك فأوصى به . وقيل : إن عمارا عزل سنة اثنتين وعشرين وولي بعده أبو موسى .