وفاة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه

قال الزهري : (كان عمر - رضي الله عنه - لا يأذن لصبي قد احتلم في دخول المدينة، حتى كتب المغيرة بن شعبة وهو على الكوفة يذكر له غلاما عنده صنعا، ويستأذنه أن يدخله المدينة، ويقول: إن عنده أعمالا كثيرة فيها منافع للناس ; إنه حداد نقاش نجار، فأذن له أن يرسل به إليه

وقال المسور بن مخرمة : خرج عمر بن الخطاب يطوف يوما في السوق ، فلقيه أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة ، واسمه: فيروز وكان نصرانيا ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أعدني على المغيرة بن شعبة فإن علي خراجا كثيرا . قال : وكم خراجك ؟ قال : درهمان كل يوم . قال : وأيش صناعتك ؟ قال : نجار ، نقاش ، حداد . قال : فما أرى خراجك كثيرا على ما تصنع من الأعمال ، قد بلغني أنك تقول : لو أردت أن أصنع رحى تطحن بالريح لفعلت ! قال : نعم . قال : فاعمل لي رحى . قال : لئن سلمت لأعملن لك رحى يتحدث بها من بالمشرق والمغرب ! ثم انصرف عنه . فقال عمر : لقد أوعدني العبد الآن .

ثم انصرف عمر إلى منزله ، فلما كان الغد جاءه كعب الأحبار فقال له : يا أمير المؤمنين ، اعهد فإنك ميت في ثلاث ليال . قال : وما يدريك ؟ قال : أجده في كتاب التوراة . قال عمر : [ آلله ! إنك ] لتجد عمر بن الخطاب في التوراة ؟ قال : اللهم لا ولكني أجد حليتك وصفتك وأنك قد فني أجلك . قال : وعمر لا يحس وجعا ! فلما كان الغد جاءه كعب فقال : بقي يومان . فلما كان الغد جاءه كعب فقال : مضى يومان وبقي يوم . فلما أصبح خرج عمر إلى الصلاة وكان يوكل بالصفوف رجالا فإذا استوت كبر ، حتى إذا لم ير فيهن ظلا تقدم ، فكبروا ، وربما قرأ سورة يوسف أو النحل أو نحو ذلك في الركعة الأولى ، حتى يجتمع الناس ودخل أبو لؤلؤة في الناس وبيده خنجر له رأسان نصابه في وسطه ، فضرب عمر ست ضربات إحداهن تحت سرته وهي التي قتلته ، وقتل معه كليب بن أبي البكير الليثي وكان خلفه ، وقتل جماعة غيره .

فلما وجد عمر حر السلاح سقط ، وأمر عبد الرحمن بن عوف فصلى بالناس ، وعمر طريح ، فاحتمل فأدخل بيته ، ودعا عبد الرحمن فقال له : إني أريد أن أعهد إليك . قال : أتشير علي بذلك ؟ قال : اللهم لا . قال : والله لا أدخل فيه أبدا . قال : فهبني صمتا حتى أعهد إلى النفر الذين توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راض . ثم دعا عليا وعثمان والزبير وسعدا فقال : انتظروا أخاكم طلحة ثلاثا ، فإن جاء وإلا فاقضوا أمركم ، أنشدك الله يا علي إن وليت من أمور الناس شيئا أن تحمل بني هاشم على رقاب الناس ، أنشدك الله يا عثمان إن وليت من أمور الناس شيئا أن تحمل بني أبي معيط على رقاب الناس ، أنشدك الله يا سعد إن وليت من أمور الناس شيئا أن تحمل أقاربك على رقاب الناس ، قوموا فتشاوروا ثم اقضوا أمركم وليصل بالناس صهيب .

ثم دعا أبا طلحة الأنصاري ، فقال : قم على بابهم فلا تدع أحدا يدخل إليهم . وأوصي الخليفة من بعدي بالأنصار الذين تبوأوا الدار والإيمان ، أن يحسن إلى محسنهم ويعفو عن مسيئهم ، وأوصي الخليفة بالعرب ، فإنهم مادة الإسلام ، أن يؤخذ من صدقاتهم حقها فتوضع في فقرائهم ، وأوصي الخليفة بذمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يوفي لهم بعهدهم ، اللهم هل بلغت ؟ لقد تركت الخليفة من بعدي على أنقى من الراحة ، يا عبد الله بن عمر ، اخرج فانظر من قتلني .

قال : يا أمير المؤمنين ، قتلك أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة . قال : الحمد لله الذي لم يجعل منيتي بيد رجل سجد لله سجدة واحدة ! وجاء الناس [فجعلوا] يثنون عليه . وجاء رجل شاب فقال: أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله لك ، من صحبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقدم في الإسلام ما قد علمت ، ثم وليت فعدلت ، ثم شهادة . قال: وددت أن ذلك كفاف لا علي ولا لي . فلما أدبر إذا إزاره يمس الأرض ، قال: ردوا علي الغلام . قال: يا ابن أخي ، ارفع ثوبك ، فإنه أنقى لثوبك وأتقى لربك . يا عبد الله بن عمر ، انظر ما علي من الدين . فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفا أو نحوه . قال: إن وفى له مال آل عمر فأده من أموالهم ، وإلا فسل في بني عدي بن كعب ، فإن لم تف أموالهم فسل في قريش ، ولا تعدهم إلى غيرهم ، فأد عني هذا المال . يا عبد الله بن عمر ، اذهب إلى عائشة فسلها أن تأذن لي أن أدفن مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر . فإن أذنت لي فأدخلوني ، وإن ردتني ردوني إلى مقابر المسلمين .

وجاءت أم المؤمنين حفصة والنساء تسير معها ، فلما رأيناها قمنا ، فولجت عليه فبكت عنده ساعة ، واستأذن الرجال ، فولجت داخلا لهم ، فسمعنا بكاءها من الداخل وأخرج ابن أبي الدنيا عن يحيى بن أبي راشد البصري قال: قال عمر لابنه: (اقصدوا في كفني؛ فإنه إن كان لي عند الله خير.. أبدلني ما هو خير منه، وإن كنت على غير ذلك سلبني فأسرع سلبي، واقصدوا في حفرتي، فإنه إن كان لي عند الله خير.. أوسع لي فيها مد بصري، وإن كنت على غير ذلك.. ضيقها علي حتى تختلف أضلاعي، ولا تخرج معي امرأة، ولا تزكوني بما ليس في، فإن الله هو أعلم بي، فإذا خرجتم.. فأسرعوا بي المشي؛ فإنه إن كان لي عند الله خير.. قدمتموني إلى ما هو خير لي، وإن كنت غير ذلك.. ألقيتم عن رقابكم شرا تحملونه). وقال يا عبد الله ، إن اختلف القوم فكن مع الأكثر ، فإن تشاوروا فكن مع الحزب الذي فيه عبد الرحمن بن عوف ، يا عبد الله ، ائذن للناس . فجعل يدخل عليه المهاجرون والأنصار فيسلمون عليه ويقول لهم : أهذا عن ملإ منكم ؟ فيقولون : معاذ الله ! قال : ودخل كعب الأحبار مع الناس فلما رآه عمر قال :


توعدني كعب ثلاثا أعدها ولا شك أن القول ما قال لي كعب     وما بي حذار الموت ، إني لميت
، ولكن حذار الذنب يتبعه الذنب



ودخل عليه علي يعوده فقعد عند رأسه ، وجاء ابن عباس فأثنى عليه ، فقال له عمر : أنت لي بهذا يا ابن عباس ؟ فأومأ إليه علي أن قل نعم . فقال ابن عباس : نعم . فقال عمر : لا تغرني أنت وأصحابك . ثم قال : يا عبد الله ، خذ رأسي عن الوسادة فضعه في التراب لعل الله - جل ذكره - ينظر إلي فيرحمني ، والله لو أن لي ما طلعت عليه الشمس لافتديت به من هول المطلع .

ودعي له طبيب من بني الحارث بن كعب فسقاه نبيذا فخرج غير متغير ، فسقاه لبنا فخرج كذلك أيضا ، فقال له : اعهد يا أمير المؤمنين . قال : قد فرغت .

ولما احتضر ورأسه في حجر ولده عبد الله قال :


ظلوم لنفسي غير أني مسلم     أصلي الصلاة كلها وأصوم



ولم يزل يذكر الله تعالى ويديم الشهادة إلى أن توفي ليلة الأربعاء لثلاث بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين . وقيل : طعن يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة ودفن يوم الأحد هلال محرم سنة أربع وعشرين .

وكانت ولايته عشر سنين وستة أشهر وثمانية أيام ، وبويع عثمان لثلاث مضين من المحرم . وقيل : كانت وفاته لأربع بقين من ذي الحجة ، واستقبل بخلافته هلال محرم سنة أربع وعشرين . وكانت خلافة عمر على هذا القول عشر سنين وستة أشهر وأربعة أيام . وصلى عليه صهيب ، وحمل إلى بيت عائشة ، ودفن عند النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر ، ونزل في قبره عثمان ، وعلي ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف وسعد ، وعبد الله بن عمر . ولما مات عمر قدم الطعام بين أيدي الناس على عادتهم فامتنعوا لموضع حزنهم ، فابتدأ العباس .

عن الأحنف بن قيس قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: إن قريشا رؤساء الناس ، لا يدخلون بابا إلا فتح الله عليهم منه خيرا . فلما مات عمر واستخلف صهيب على إطعام الناس ، وحضر الناس وفيهم العباس ، فأمسك الناس بأيديهم عن الأكل ، فحسر عن ذراعيه وقال: يا أيها الناس ، إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مات فأكلنا ، وإن أبا بكر مات فأكلنا ، وإنه لا بد من الأكل . فضرب بيده ، وضرب القوم بأيديهم . فعرف قول عمر: إن قريشا رؤساء [الناس] . وروي عن قتادة أنه قال : توفي عمر وهو ابن إحدى وستين سنة .

وعن ابن عمر والزهري : خمس وستون سنة . وعن ابن عباس : ست وستون . وروى ابن جرير ، عن أسلم مولى عمر أنه قال : توفي وهو ابن ستين سنة . قال الواقدي : وهذا أثبت الأقاويل عندنا . وقال المدائني : توفي عمر وهو ابن سبع وخمسين سنة . وفي «تهذيب المزي» : (كان نقش خاتم عمر: كفى بالموت واعظا).

وأخرج الطبراني عن طارق بن شهاب قال: قالت أم أيمن يوم قتل عمر: (اليوم وهي الإسلام).

وأخرج عن عبد الرحمن بن يسار قال: (شهدت موت عمر بن الخطاب، فانكسفت الشمس يومئذ)، وولد لعلي بن أبي طالب ليلة مات عمر رضي الله ولد فسماه عمر . وولد لعثمان تلك الليلة ولد فسماه عمر . وولد لعبيد الله بن معمر التيمي ولد فسماه عمر .

التالي السابق


الخدمات العلمية